للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقالَ السُّيوطيُّ «ت ٩١١ هـ»: «وَأَجْوَدُ تَفْسِيرِهِ مَا جَاءَ مُفَسَّرَاً بِهِ فِي رِوَايَةٍ» (١).

وبذلكَ تبرزُ أهميَّةُ السَّبرِ وتتبُّعُ طُرقِ الحديثِ والمقارنةُ بينَ متونِهِ في تفسيرِ غريبِ الحديثِ، وأنَّهُ العمدةُ في ذلكَ، وقدْ تقدَّمَ كلامُ الإمامِ ابنِ حنبلٍ «ت ٢٤١ هـ»: «الحَدِيثُ إِذَا لَمْ تُجْمَعْ طُرُقُهُ لَمْ تَفْهَمْهُ، وَالحَدِيثُ يُفَسِّرُ بَعْضُهُ بَعْضَاً» (٢).

ومنْ أشهرِ أمثلةِ ذلكَ: حديثُ ابنِ صيَّادٍ، أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قالَ لهُ: «قَدْ خَبَاتُ لَكَ خَبِيئَاً. قَالَ: الدُّخُ. قَالَ: اِخْسَا، فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ».

قالَ ابنُ الصَّلاحُ «ت ٦٤٣ هـ»: «فَهَذَا خَفِيَ مَعْنَاهُ وَأُعْضِلَ، وَفَسَّرَهُ قَومٌ بِمَا لَا يَصِحُّ، وَفِي مَعْرِفَةِ عُلُومِ الحَدِيثِ لِلْحَاكِمِ: «أَنَّهُ الدَّخُ»، بِمَعْنَي الزَّخُ الذِي هُوَ الجِمَاعُ، وَهَذَا تَخْلِيطٌ فَاحِشٌ يَغِيظُ العَالِمَ وَالمُؤْمِنَ، وَإِنَّمَا مَعْنَى الحَدِيثِ: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ لَهُ: قَدْ أَضْمَرْتُ لَكَ ضَمِيرَاً، فَمَا هُوَ؟ فَقَالَ: الدُّخُ، بِضَمِّ الدَّالِ، يَعْنِي الدُّخَانَ، وَالدُّخُ: هُوَ الدُّخَانُ فِي لُغَةٍ. إِذْ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الحَدِيثِ مَا نَصُّهُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إِنِّي قَدْ خَبَأتُ لَكَ خَبِيئَاً، وَخَبَأَ لَهُ يَومَ تَاتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ … وَهَذَا ثَابِتٌ صَحِيحٌ، خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيرُهُ» (٣).

وإليكَ بيانُ أثرِ السَّبرِ في معرفةِ غريبِ الحديثِ، وتفسيرِ الرِّواياتِ بعضِهَا ببعضٍ، منْ خلالِ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ -رضي الله عنه-، أنّ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، قالَ: «الأَيِّمُ أَحَقُّ


(١) تدريب الراوي ص ١٨٦.
(٢) الجامع لأخلاق الراوي ٢/ ٢١٢.
(٣) مقدمة ابن الصلاح ص ٢٧٤.

<<  <   >  >>