للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثمَّ قالَ: «سَبَبُهُ كَمَا فِي البُخَارِيِّ (١)، قَالَ أَبُو ذَرٍّ: «كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مَرَّةً فِي المَدِينَةِ، فَاسْتَقْبَلْنَا أُحُدَاً … ثُمَّ قَالَ: مَكَانَكَ. لَا تَبْرَحْ حَتَّى آَتِيكَ، ثُمَّ انْطَلَقَ فِي سَوَادِ اللَّيلِ حَتَّى تَوَارَى، فَسَمِعْتُ صَوتَاً قَدِ ارْتَفَعَ، فَتَخَوَّفْتُ أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ عَرَضَ لَهُ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَّبِعَهُ، فَذَكَرْتُ قَولَهُ: لَا تَبْرَحُ، فَلَمْ أَبْرَحْ حَتَّى أَتَانِي. فَقُلْتُ: سَمِعْتُ صَوتَاً تَخَوَّفْتُ مِنْهُ. قَالَ: وَهَلْ سَمِعْتَهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: ذَاكَ جِبْرِيلُ أَتَانِي فَبَشَّرَنِي». فَذَكَرَهُ» (٢).

والنَّاظرُ في صحيحي البخاريِّ ومسلمٍ يجدُ أنَّ مِنْ فوائدِ تكرارِهِمَا للأحاديثِ، إيرادُها على الاختصارِ تارةً، وعلى التَّمامِ أُخرى بسياقِ سببِ الوُرودِ، كمَا ظهرَ جليَّاً في المثالينِ السَّابقينِ، وفي هذينِ المثالينِ اكتفاءٌ ببيانِ أثرِ السَّبرِ وتتبُّعِ الأحاديثِ في معرفةِ سببِ ورودِ الحديثِ والكشفِ عنهُ، وأمَّا ما يترتَّبُ عليه منْ فوائدَ فقهيةٍ فمحلُّهُ كتبُ الفقهِ والأحكامِ.

وبتمامِ هذَا المبحثِ أكونُ - بتوفيقٍ منَ اللهِ وكرمِهِ جلَّ جلالُهُ - قدْ انتهيتُ منْ مباحثِ أثرِ السَّبرِ في معرفةِ أنواعِ علومِ الحديثِ المتعلِّقةِ بالمتنِ، وكذلكَ أثرُهُ في معرفةِ أنواعِ علومِ الحديثِ المتعلِّقةِ بالسَّندِ، نخلصُ مِنْ كلُّ ذلكَ إلى أنَّ السَّبرَ وجمعَ الطُّرقِ هوَ الآليَّةُ الرَّئيسةُ للكشفِ عنْ عللِ الحديثِ وإبرازِ فوائدِهِ في المتنِ والإسنادِ، وهوَ العمودُ الفقريُّ الذي عليهِ مدارُ علمِ الحديثِ درايةً كمَا جسَّدَهُ صنيعُ المحدِّثينَ.

وآخرُ دعوانَا إنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ

والصَّلاةُ والسَّلامُ على سيِّدنَا محمَّدٍ

وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ

* * *


(١) البخاري «ر ٦٠٧٩».
(٢) البيان والتعريف ١/ ١٥.

<<  <   >  >>