للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابنُ معينٍ «ت ٢٣٢ هـ»: «قَالَ لِي إِسْمَاعِيلُ بنُ عُلَيَّةَ يَومَاً: كَيفَ حَدِيثِي؟ قَالَ: قُلْتُ: أَنْتَ مُسْتَقِيمُ الحَدِيثِ، قَالَ: فَقَالَ لِي: وَكَيفَ عَلِمْتُمْ ذَلِكَ؟ قُلْتُ لَهُ: عَارَضْنَا بِهَا أَحَادِيثَ النَّاسِ، فَرَأَينَاهَا مُسْتَقِيمَةً» (١).

أمَّا إذا كانَ الرَّاوي أقلَّ من الثِّقةِ رُتبةً، وأعلى منْ شديدِ الضَّعفِ، أي: محتملَ الضَّعفِ فهذا يُكتبُ حديثُهُ للاعتبارِ، ومعنى ذلكَ: أنَّ مروياتِهِ لا تُطرحُ ولا تُردُّ جملةً، وإنَّما تُكتبُ للنَّظرِ فيهَا ومعارضتِهَا بأحاديثِ الثِّقاتِ، فما وافقَ منها قُبِلَ، وما خالفَ منها رُدَّ، ومنهُ قولهم في مرويَّاتِ الرَّاوي: «اعْتَبَرْتُ حَدِيثَهُ فَوَجَدْتُّهُ صَالِحَ الحَدِيثِ، وَلَمْ أَجِدْ فِي حَدِيثِهِ حَدِيثَاً مُنْكَرَاً» (٢).

وبهذا نُدركُ أهميَّة السَّبرِ عندَ المحدثينَ، كأساسٍ يقومُ عليهِ عملُهُم في التَّصحيحِ والتَّضعيفِ، والجرحِ والتعديلِ، فمدارُ هذا العلمِ عليهِ، وعمودُهُ الفِقريُّ الذي يقومُ بهِ.

قالَ ابنُ حجرٍ «ت ٨٥٢ هـ»: «وَعَجِيبٌ مِمَّنْ يَتَكَلَّمُ عَنِ الحَدِيثِ فَيَرُدُّ مَا فِيهِ صِرِيحَاً بِالأَمْرِ المُحْتَمَلِ، وَمَا سَبَبُ ذَلِكَ إِلَّا إِيثَارُ الرَّاحَةِ بِتَرْكِ تَتَبُّعِ طُرُقِ الحَدِيثِ، فَإِنَّهَا طَرِيقٌ تُوصِلُ إِلَى الوُقُوفِ عَلَى المُرَادِ غَالِبَاً» (٣).

* * *


(١) معرفة الرجال ٢/ ٣٩.
(٢) انظر الكامل لابن عدي ٤/ ٨٢. وسيأتي تفصيل من يكتب حديثه من الرواة للاعتبار، والمرويات الصالحة للاعتبار في مبحث «أثر السبر في الحكم على مرويات الرجال». انظر ص
(٣) فتح الباري ١٢/ ٢٢٢.

<<  <   >  >>