للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذلكَ لعُمقِ الخِبرةِ وطولِ المُمَارسةِ، قالَ ابنُ رجبٍ «ت ٧٩٥ هـ»: «وَلا بُدَّ فِي هذَا العِلْمِ مِنْ طُولِ المُمَارسَةِ وَكَثْرَةِ المُذَاكَرَةِ» (١).

وقال المُعلِّمِيُّ «ت ١٣٨٦ هـ»: «وَهَذِهِ المَلَكَةُ لَمْ يُؤْتَوهَا مِنْ فَرَاغٍ، وَإِنَّمَا هِيَ حَصَادُ رِحْلَةٍ طَوِيلَةٍ مِنَ الطَّلَبِ، وَالسَّمَاعِ، وَالكِتَابَةِ، وَإِحْصَاءِ أَحَادِيثِ الشُّيُوخِ، وَحِفْظِ أَسْمَاءِ الرِّجَالِ، وَكِنَاهُمْ، وَأَلَقَابِهِمْ، وَأَنْسَابِهِمْ، وَبُلْدَانِهِمْ، وَتَوَارِيخِ وِلادَةِ الرُّوَاةِ وَوَفِيَّاتِهِمْ، وَابْتِدَائِهِمْ فِي الطَّلَبِ وَالسَّمَاعِ، وَارْتِحَالِهِمْ مِنْ بَلَدٍ إِلَى آَخَر، وَسَمَاعِهِمْ مِنَ الشُّيُوخِ فِي البُلْدَانِ، مَنْ سَمِعَ فِي كُلِّ بَلَدٍ؟ وَمَتَى سَمِعَ؟ وَكَيفَ سَمِعَ؟ وَمَعَ مَنْ سَمِعَ؟ وَكَيفَ كِتَابُهُ؟، ثُمَّ مَعْرِفَةُ أَحْوَالِ الشُّيُوخِ الذِينِ يُحَدِّثُ الرَّاوِي عَنْهُمْ، وَبُلْدَانِهِمْ، وَوَفِيَّاتِهِمْ، وَأَوقَاتِ تَحْدِيثِهِمْ، وَعَادَتِهِمْ فِي التَّحْدِيثِ، وَمَعْرِفَةِ مَرْوِيَّاتِ النَّاسِ عَنْ هَؤُلاءِ الشُّيُوخِ، وَعَرْضِ مَرْوِيَّاتِ هَذَا الرَّاوِي عَلَيهَا، وَاعْتِبَارِهَا بِهَا، إِلَى غَيرِ ذَلِكَ مِمَّا يَطُولُ شَرْحُهُ. هَذَا مَعَ سَعَةِ الاِطِّلاعِ عَلَى الأَخْبَارِ المَرْوِيَّةِ، وَمَعْرِفَةِ سَائِرِ أَحْوَالِ الرُّوَاةِ التَّفْصِيلِيَّةِ، وَالخِبْرَةِ بِعَوَائِدِ الرُّوَاةِ وَمَقَاصِدِهِمْ وَأَغْرَاضِهِمْ، وَبِالأَسْبَابِ الدَّاعِيَةِ إِلَى التَّسَاهُلِ وَالكَذِبِ، وَبِمَظَنَّاتِ الخَطَأِ وَالغَلَطِ، وَمَدَاخِلِ الخَلَلِ. هَذَا مَعَ اليَقَظَةِ التَّامَّةِ، وَالفَهْمِ الثَّاقِبِ، وَدَقِيقِ الفِطْنَةِ، … وَغَيرِ ذَلِكَ» (٢).

فعِلمُ الحديثِ علمٌ تخصُّصِيٌّ، شديدُ العمقِ، بعيدُ الغَورِ، لا يفهمهُ إلا منْ وقفَ عمرَهُ عليهِ، وصرفَ الُجهدَ فيهِ، قالَ ابنُ المَدينيِّ «ت ٢٣٤ هـ»: «أخَذَ عبدُ الرَّحمنِ بنُ مَهديٍّ


(١) شرح علل الترمذي ٢/ ٦٦٤.
(٢) النكت الجياد ١/ ١٠.

<<  <   >  >>