قال لي: إذا لا يحل ذلك لما فيه من الخطار والقمار؛ لأن الشيء الذي وقع به الصلح قد صار لابن الهالك، وبرئ الآخر من الدعوى وصار الحق الذي كان يدعى قبله، فهما عنده بمنزلة رجلين قال أحدهما لصاحبه: أعطني دينارًا على أن نختصم في ثوبي هذا فإن قضي لك به فهو لك، وإن قضي لي به فالدينار لي، فهذا من أعظم الخطار.
قال لي مطرف: وكل مصطلحين تم صلحهما وأشهدا عليه ثم أرادا أن ينقضا الصلح ويرجعا إلى الخصومة لم يجز ذلك؛ لأنه وجه من المخاطرة، ولم ينبغ للحاكم أن يدعهما وذلك.
وسألت عن ذلك أصبغ، فقال لي فيه أجمع مثل قول مطرف.
وسألت مطرفًا عن رجل ادعى قبل رجل حقا، وأنكر ذلك المدعى قبله، ثم دعاه فقال: هذا الذي تدعي علي حقًا كان أو غيره هو كما تقول فصالحني، فيقول المدعي: أما أنت فقد أقررت لي ولا أصالحك، ويقول الآخر: ما قلت ذلك إلا على وجه الصلح وما أعلم لك علي حقًا.
قال: فالقول قوله، ولا يلزمه إقرار إلا أن يرى أنه قد أقر به إقرارًا بينًا ثم دعاه إلى الصلح.
وسألت أصبغ بن الفرج عن ذلك فقال لي مثله.
وسألت مطرفًا عن رجل ادعيت قبله سرقة فصالح على الإنكار لها، ثم أتى رجل فأقر أنه الذي سرقها.
فقال لي: إن ثبت على إقراره قطع، ثم إن كان مليا أخذ منه المدعى قبله الأول ما صالح به، ويأخذ المسروق منه تمام سرقته، وإن كان عديمًا لم يكن عليه شيء، ولزم الصلح الأول، ولم ينتقض إقرار هذا.