من إنسان وإنسان من نطفة ووالد من ولد وولد من والد وبيض من طير وطير من بيض وكذلك جميع الأشياء الحسّاسة والنامية بعضها من بعض بلا صانع ولا مدبّر لا أوّل لها ولا آخر فإنّ هذه دعوى جائزة ومقالة باطلة ولو كان هذا المدَّعى لم يزل مع أزليّة العالم بزعمه لما ساغت له دعواه إن لم يقُمْ له دليل من غيره على أزليّته فكيف وليس هو ممّن هو لم يزل ولا هو ممّن لا يزال وإن اعتمد فيه خبر من كان قبله وإن من أخبره لهو في حاله وحدوثه لم يشاهد من ذلك إلاّ ما شاهد من كان قبله مع معارضة الخصم له [٢٣] في الكون والحدوث لأنّ الدعاوى تصحّ بالحجج لا بالصفات وإن زعم أنّه قاس ما مضى منه بما هو مُستقبَل فيما بعدُ وأنّه غير مُنْقَضٍ فهذا القضاء أجود من الأوّل وأضعف مدّة بل هو نفس دعواه التي خولف فيها والمعارضة قائمة فإن زعم الحال والوقت الذي هو فيه فإنّ هذا رأيُ مَنْ قَصُر عِلمه وسَخُفَتْ معرفته وأوجب أن يكون هو بنفسه لم يزل على ما هو عليه في الحال والوقت لم يكن قط نطفة ولا علقة ولا مضغة ولا جنيناً ولا رضيعاً ولا يتغيّر فيما بعدُ فيكتهل ويشيب ويهرم وتجرى عليه