فمن استخرج من حرف عام من القرآن أو السنة صفة للتعبد كان متبعا للمتشابه غير واصل ما أمر الله به أن يوصل، وإن كان الحرف صيغته ظاهرة ابتداء، لأن المحكم في صفات التعبد هو العمل.
وإنما كان المطلق متشابها لقلة علم من احتج به، وتنزيله في غير ما نزل له، وإلا فهو عند الأكابر محكم معلومة مظان تنزيله.
قال ربنا ﵎(وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم)[النحل ٤٤] فما كان بيانه بالقول بَيَّنَهُ به ﷺ، وما بيانه بالفعل بينه به. والقربات إنما يكون بيان صفتها بالعمل لا بالوصف الكلامي، والأمر بها في القرآن يدل على الوجوب والعموم في كل شخص، وهذا لا يستفاد من العمل، ولكل وظيفته، فلما كان الفعل أبين من جهة الكيف بين النبي ﷺ تفاصيله بالعمل، ولما لم يكن الفعل يدل على الوجوب ولا يخبر عن الثواب ولا يدل على العموم جاء البيان بالقول الذي هذه وظيفته، فمن طلب الكيف التمسه في السنة التي تبينه وهي العمل، ومن أراد معرفة الحكم وثوابه وعمومه فمن الأوامر والأخبار. ومن لم يعرف هذا الفقه - وهو على طريقة أهل الأثر الأوائل - قلب المنهاج، وسيأتي لهذا ذكر إن شاء الله.
فمن حيثما توجه النظر لم يكن في المطلق دليل على استحسان بدعة. ولو تأملت ما أنكروه مما يجري على رسم البدعة الحسنة عند من أثبتها وجدت السلف لا يلتفتون إلى العموم، ولو كان عندهم في إثبات قربة معتبرا لما عجزوا عن الاستدلال، وهم الذين نقلوا الدين ..
فرق: حيث قلت إن القول مجمل فالمعنى الأمر - ومثله النهي - الذي له عموم وإطلاق بالوضع، بخلاف القول الذي هو عمل مثل أذكار النبي ﷺ فإنها أفعال (١)، لذلك لم يكن لها عموم ولا مفهوم. وقد قال تعالى (إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا)[النساء ١٠٧] فسمى القول عملا. وقال ﷻ(وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء كذلك فعل الذين من قبلهم)[النحل ٣٥] كذلك فعل: كذلك قال
(١) - الموافقات كتاب الأدلة المسألة السادسة من مباحث السنة.