للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تصوموا في السفر اه [م ٢٦٦٨] عام مراد به خصوص السفر الشاق وهو سبب الورود لما ثبت عن النبي وأصحابه أنهم كانوا يصومون في السفر .. فمن عمم هذا النوع من الصيغ التي ما ظهر له منها غير مراد كان واهلا .. وإنما سبب الاشتباه هنا قلة العلم والغفلة عن القرائن التي صاحبت الكلام، فمن شهد بيان النبي كان ظاهر الكلام معلوما كأن يشير بيده إلى الرجل ويقول: ليس من البر الصيام في السفر، فيفهم كل من شهد أن المعنى الظاهر المتبادر للذهن هو الصوم مع المشقة. بخلاف من بلغه الكلام وليس له معرفة بالمعهود وقرائن الكلام ظن الظاهر أشمل من ذلك لنظره في اشتقاق اللفظ وعمومه القياسي، والعموم إنما يحمل على المعهود لا القياس العقلي .. فالاشتباه هنا إنما يكون عند قلة العلم (١).

كذلك المحكم نوعان:

محكم لذاته وهو المحكم الأصلي الذي ظاهره هو المراد، الذي لا تتغير دلالته مع جمع النصوص، وهو أم الكتاب أي معظمه (٢).

ومحكم بغيره وهو المتشابه الذي أحكمت دلالته برده إلى المحكمات، قال تعالى (كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير) [هود ١] فكل آياته قد أحكمت حتى المتشابهات إذا ردت إلى المحكمات الأصلية ففسرت بها، وقال سبحانه (الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها) [الزمر ٢٣] فهو متشابه المعاني يشبه بعضه بعضا، فمن كان مفسرا المتشابه منه تعين عليه حمله على المعنى الذي يشبه المحكمات من الكتاب والسنة. بهذا المعنى يكون القرآن كله محكما، لذلك وجب جمع النصوص عند الاستدلال مع الآثار.


(١) - إذا تبين هذا عرفنا وجه تسمية العلماء المحكمات متشابهة في سياق ردهم على المبطلين، كقولهم في قول الله تعالى (ليس كمثله شيء) أنه متشابه وهو عندهم محكم، وتسمية ثلث القرآن (قل هو الله أحد) متشابهة لاحتجاج الجهمية به على النفي المطلق، وما هو إلا لحمله على غير تأويله .. وعرفنا أن من المتشابهات والاحتمالات ما يظهر إذا تكلم في الدين من لا يعلم .. [إعلام الموقعين ٢/ ٢٩٤]
(٢) - الموافقات مباحث الإحكام والتشابه من عوارض الأدلة. وقبله الإكليل في المتشابه والتأويل لابن تيمية رحمة الله عليهم.

<<  <   >  >>