للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

) الآية [البقرة ٢٧٧/ ٢٧٨] إن لم تفعلوا: إن لم تذَروا ما بقي من الربا، ووَذَرَ بمعنى ترك، فهو كقولك "إن لم تتركوا". وقوله تعالى (لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون) [المنافقون ٩] يفعل ذلك: يترك ذكر الله، لأن الذم في الآية متجه إلى ترك ذكر الله لا مجرد القيام بالأموال والعيال. وقول الله تعالى (كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون) [المائدة ٨١] بيس فعلهم: أي تركهم الإنكار. وقال سبحانه (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله) [البقرة ١٩٧] ومِن فعل الخير ترك الرفث والفسوق والجدال في الحج. وقال (ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه والله بما تعملون عليم) [البقرة ٢٨٣] فدخل في ما تعملون كتمان الشهادة وهو ترك. ومثله قوله سبحانه (ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون) [البقرة ١٤٠] ولها في القرآن نظائر.

وهكذا سائر ما ثبت في باب الترك مما يفيد العلم أنه في لسان العرب والقرآن والسنة فعل من الأفعال. فما ثبت للفعل من أحكام ثبت للترك، إذ كلاهما ليس له عموم، ولا مفهوم مخالفة. وكما أن فعل النبي سنة، كذلك تركه سنة. لكنهما إذا اجتمعا في سياق افترقا كما في الحديث: اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات [ت ٣٢٣٥]. وإذا أطلق الفعل دخل فيه الترك كما قال أهل العلم في مسمى الإيمان ودخول العمل فيه.

ويتفرع عن هذا أمور:

- منها أن الفعل إذا ظهر فيه قصدُ التعبد دل على الندب، أو قصدُ الحظ أفاد الإباحة، كما دل خلاف الصحابة في التحصيب وغيره [م ١٣١٠ وما بعده]. كذلك الترك، ما تركه النبي فإما أن يتركه لمعنى تعبدي أو لمعنى غير تعبدي (جِبِلِّي أو عادي)، فما ظهر فيه معنى التعبد حكمه استحباب الترك وكراهة الفعل. وما تركه لمعنى جبلي أو عادي فهو على الأصل في الإباحة إذ لم يكرهه شرعا، ولكن عادة أو طبعا، كما قال في لحم الضب: لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه اه [خ ٥٠٧٦/ م ١٩٤٥]

<<  <   >  >>