للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فما لم يُتَحرَّ في العمل الأول تقييده بزمان أو مكان أو كيفٍ أو عدد فالقصد إلى القيد خلاف السنة ووقوع في البدعة (١)، ثم إذا ديمَ عليه والتُزم كان أشد، وإذا أُظهر في الناس كان أعظم.

والشرع إذا أطلق الأمر بعبادة فحقيقة العمل بالمطلق ألا يقع على وجه مقيد، إذ قد عرفت أن العمل يؤخذ وجهه من العمل لا اللفظ المطلق، ومن التزم قيدا فقد عمل بدليل مقيد غير موجود فهذه مخالفة. والإطلاق والتقييد واردان في العمل كورودهما في الخطاب لأنه ثمرته وبيانه (٢).

فإن قيل: إن الشرع طلب من العبد المداومة على العمل، وأحب الأعمال إلى الله أدومها، فمن اتخذ لنفسه يوما خاصا أو وصفا أو عددا خاصا وردا ليومه يلتزمه، كان عاملا بهذا الأصل موافقا قصد الشرع إلى الدوام!

فالجواب أن عمل العبد من حيث التأسي لا يخلو: إما لم يعمل به النبي ، وإما عمل به. وإن عمل به فإما واظب عليه بغير ترك، أو لم يواظب عليه. فهذه ثلاث حالات:

فأما ما لم يعمله أصلا فبدعة.

وأما ما واظب عليه فقد علم به أن المواظبة مقصودة، فلا شك أن الدوام على العمل مطلوب كصلاة الوتر وركعتي الفجر ونحو ذلك من أبواب الخير.

وأما ما لم يواظب عليه فهو نوعان:

نوع قام الدليل على أن عدم مداومة النبي كان لمانع مثل خبر عائشة في صلاة الضحى، ومثل تعليل النبي ترك المداومة على الاجتماع في المسجد للتراويح. فهذا ظاهر في أن ذلك التعليل مشعر بألاَّ حرج في المداومة، فَبِهِ يُعلَم قصد الشرع إلى الدوام، وإنما سلك بالترك مسلك التيسير.

ونوع لم يظهر فيه ذلك، فهذا لا ريب في أن ترك المداومة عليه مقصود للشرع، وأن الدوام المطلوب فيه إنما هو بالعمل به أحيانا، كما في خبر عائشة لما سألها


(١) - الموافقات المسألة الرابعة عشرة من مباحث الأمر من كتاب الأدلة.
(٢) - مجموع الفتاوى [٢٠/ ١٩٦]

<<  <   >  >>