للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي الموطأ [٥٩٧] عن يحيى بن سعيد أن عبد الله بن مسعود قال لإنسان: إنك في زمان كثير فقهاؤه قليل قراؤه، تحفظ فيه حدود القرآن وتضيع حروفه قليل من يسأل كثير من يعطي يطيلون فيه الصلاة ويقصرون الخطبة، يبدون أعمالهم قبل أهوائهم. وسيأتي على الناس زمان قليل فقهاؤه كثير قراؤه يحفظ فيه حروف القرآن وتضيع حدوده كثير من يسأل قليل من يعطي يطيلون فيه الخطبة ويقصرون الصلاة يبدون فيه أهواءهم قبل أعمالهم اه [عبد الرزاق ٣٧٨٧] فبين أن قرن الصحابة كان من محامده أن العمل فيه غالبا أكثر من الكلام، بخلاف من يجيء بعدهم ..

ومعلوم أن العمل يشد النفوس أكثر من الكلام، لذلك ترى الخلق يزهدون في عالم يخالف قوله فعله، فيدعون قوله لأجل العمل المخالف، فأثره أقوى من القول.

والبيان بالعمل أقوى في معرفة الهيئات، وأرسخ في الحفظ، وأبعد عن سوء الفهم، بخلاف ما لو كان التشريع أكثره وصفا باللسان، إذن لدخل الوهم في الحفظ والفهم ونحو ذلك مما لا يرد مع البيان بالعمل. ثم يصاحبه القول للدلالة على ما لا يدل عليه العمل من وجوب و نحوه أو عموم ونحوه أو جزائه ونحوه (١)، فالأصل إذاً هو العمل، والقول خادم. لذلك قالوا: العلم وسيلة للعمل لا ينفع إلا حيث أثمر عملا صالحا.

وقد روى مسلم [١٤٢٢] عن بريدة عن النبي أن رجلا سأله عن وقت الصلاة فقال له: صل معنا هذين، يعني اليومين، فلما زالت الشمس أمر بلالا فأذن ثم أمره فأقام الظهر. ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية. ثم أمره فأقام المغرب حين غابت الشمس. ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق. ثم أمره فأقام الفجر حين طلع الفجر. فلما أن كان اليوم الثاني أمره فأبرد بالظهر فأبرد بها فأنعم أن يبرد بها. وصلى العصر والشمس مرتفعة أخرها فوق الذي كان. وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق. وصلى العشاء بعد ما ذهب ثلث الليل. وصلى الفجر فأسفر بها. ثم قال: أين السائل عن وقت الصلاة؟ فقال الرجل: أنا يا رسول الله. قال: وقت صلاتكم بين ما


(١) - الموافقات المسألة الرابعة من مباحث البيان والإجمال.

<<  <   >  >>