رأيتم اه فانظر كيف أرجأه حتى بين له بالعمل، فهو من الحكمة التي جاء بها ﷺ، وعمل بها أصحابه مثل ما روى أحمد بسند صحيح [٩٨٧] عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي قال: إذا حُدثتم عن رسول الله ﷺ حديثا فظنوا برسول الله ﷺ أهيأه وأتقاه وأهداه وخرج علي علينا حين ثوب المثوب فقال: أين السائل عن الوتر، هذا حين وتر حسن اه وروى شعبة وإسرائيل وعمار الدهني والجراح بن مليح عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون قال: سألت عبد الله بن عمرو وهو واقف بعرفة عن المشعر الحرام فسكت حتى أفاض وتلبطت أيدي الركاب في تلك الجبال فقال: هذا المشعر الحرام اه صحيح رواه ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم والبيهقي وغيرهم.
ولو شاء الله تعالى لأنزل الكتاب جملة واحدة جمع فيه تفاصيل العمل بالقول المسهب .. ولكن أرسل رسولا كريما صالح القدوة عند الناس قبل النبوة ليعمل أمامهم، ويسهل على الناس العمل والاقتداء به، وقد جُبل ابن آدم على التأسي والأنس في الطريق، فلا يستوحش ما رأى أمامه قدوة في العمل. ولله الحكمة البالغة.
لذلك كان من طريقة النبي ﷺ في البيان اختيار المناسبات، لا يشغل الناس بفقه أمر حتى يأتي زمنه، فيبين لهم أمر الله تعالى حتى يروه عيانا، وهذا كالحج نادى في الصحابة أنه حاج العام، فلما كان الإحرام بين ما يلزم المحرمَ دون تفاصيل الحج، ثم سار معهم يعمل متى كان وقت العمل ويتبعونه ..
لذلك قال أنس بن مالك: كنا نهينا في القرآن أن نسأل رسول الله ﷺ عن شيء. الحديث [م ١١٢] أي أن النبي ﷺ كان يبين لهم متى كان وقت الحاجة وجاءت المناسبة دون استعجال.
وقد ورثه أهل العلم من أصحابه كانوا إذا سئل أحدهم عن مسألة لم تكن قال: دعها حتى تقع. كما قال الشعبي: سئل عمار بن ياسر عن مسألة فقال: هل كان هذا بعد؟ قالوا: لا. قال: دعونا حتى تكون، فإذا كانت تجشمناها لكم [الدارمي ١٢٣/ ابن سعد ٣٧٤٤].
وقال أبو خيثمة زهير بن حرب [العلم ٧٥] حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا موسى بن علي عن أبيه قال: كان زيد بن ثابت إذا سأله رجل عن شيء قال: آالله لكان هذا؟