للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن قال: نعم، تكلم فيه وإلا لم يتكلم اه [صحيح]

وقال أبو خيثمة [٧٦] حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن عبد الملك بن أبجر عن الشعبي عن مسروق قال: سألت أبي بن كعب عن شيء فقال: أكان بعد؟ قلت: لا، قال: فأجمنا حتى يكون، فإذا كان اجتهدنا لك رأينا اه [صحيح].

فتركُ النظر في الأمورِ حتى يأتي وقت العمل بها يريح من الخلاف، ويُمَكِّن من العمل بما يُعلم، وهو أوقع في النفوس وأتم للبيان والحفظ، إذ النفس إذا احتاجت المسألة تشوفت إلى البيان فيقع على أتم ما يكون الانتفاع، لا كما لو كان التعليم قبل وقت الحاجة.

إذا تبين هذا فإنه يدل على أمور:

- منها الإعلام أن الدين جاء والعلمَ لأجل العمل لله وحده، فهو المطلوب الأصل من العباد كما قال تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) [الذاريات ٥٦] فمن عرف ذلك قل كلامه وكثر عمله كشأن الأولين. لذلك كان كثرة التأليف ذما، وليس عليه العمل الأول، وليس العالم من كثر تأليفه .. (١) ومن عرف هذا ترك كثيرا مما يخوض فيه الخائضون مما ليس تحته عمل، واشتغل بما ينفعه، روى أبو إسماعيل الهروي [ذم الكلام وأهله ٩١٦] بسنده عن الأوزاعي قال: إذا أراد الله بقوم شرا فتح عليهم الجدل ومنعهم العمل اه نعوذ بالله من ذلك.

وإن الله إذا أمرنا بشيء إنما يكلفنا بما يتحقق في الفطرة والعادة من العمل إذ كل من عند الله. فكل مسألة تنسب إلى العلم ليس تحتها عمل هي من جنس الأغلوطات التي نهى عنها الأولون، حقيقةٌ بأن تحذف من العلم وإن أدخلت فيه بالتأويل. كاختلافهم في من نام عن صلاة أو نسيها هل يصليها أداء أم قضاء! وهل الكفار مخاطبون بفروع الشريعة؟ وزعمهم في الإجماع أن الحجة منه ما كان صريحا (٢) دون


(١) - ليت كثيرا ممن فتح له في تحقيق المخطوطات لم ينشغل بأسفار لا غَناء فيها، وأخرج للأمة كتب الآثار. وبالله التوفيق.
(٢) - الإجماع الصريح أن يثبت عن كل عالم (مجتهد) كلام صريح في المسألة، والسكوتي أن يصرح بعضهم ويسكت الآخرون.

<<  <   >  >>