للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هو الذي يبين ذلك. فإذا لم ينقل في الباب شيء من الأفعال فاعلم أنه مما فهموا أنه لم يوقت فيه حد وليس فراغا يملأ بالقياس والنظر. وهذا مثل هيئة اليدين بين السجدتين وبعد الركوع لم ينقل الصحابة عن النبي فيهما شيئا لعلمهم أنه لم يجعل فيها سنة يلتزم بها. ومنه مسافة القصر، لما اختلفت الآثار فيها ولم يكن العمل على سنة مطردة عُلم أن النبي لم يحد فيها شيئا إلا ما كان فيه مخايل السفر وهو العرف على أصح الأقوال ..

ومن هنا كان ملحظ مالك حين قال: وليس لغسل الميت عندنا شيء موصوف وليس لذلك صفة معلومة ولكن يغسل فيطهر اه مع علمه بحديث أم عطية، وقد رواه في الموطأ (١)، فلم يكن سنة لأنه لم يتكرر العمل به والدلالة عليه في من غسلوا من الموتى.

فلا يكفي في إثبات السنة حديثٌ واحد، ولكن مجموع الأخبار الدالة على الفعل والترك، حتى يستبين ما يُواظب عليه مما يُفعل أحيانا، وأن يعرف قصد النبي من فعله.

ومنه اختلاف الناس في رص العقبين عند السجود، لا يكفي فيه ما روي عن عائشة "فوجدته ساجدا راصا عقبيه" [ابن حبان ١٩٣٣] ولم يزل النبي يصلي أمام الناس ويعلمهم سنن صلاتهم، وكذلك أصحابه من بعده، وأنكروا على الناس أخطاء في سجودهم كافتراش المرفق ورفع القدم والأنف وتفريج الأصابع .. فلم يذكروا رص العقبين (٢). ولم يوقت رسول الله فيه شيئا. فغاية ذلك الحرف إن صح - ولا إخاله محفوظا - أن يكون ضمَّ عقبيه لبردٍ أو ضيقِ موضعٍ أو نحو ذلك ..


(١) - ومنه ما قال ابن المنذر: وكان مالك بن أنس لا يؤقت في المسح على الخفين وقتا. لم يختلف قوله في ذلك. وإنما اختلفت الروايات عنه في المسح في الحضر، وقد أخبر ابن بكير مذهبه الأول والآخر، قال ابن بكير: كان مالك يقول بالمسح على الخفين إلى العام الذي قال فيه غير ذلك، قيل له: وما قال؟ قال: كان يقول أقام رسول الله بالمدينة عشر سنين وأبو بكر وعمر وعثمان فلم يبلغنا أن أحدا منهم يمسح على الخفين بالمدينة اه [الأوسط ١/ ٤٣٦] القصد منهاج مالك في النظر.
(٢) - قال الحاكم ورواه [٨٣٢]: لا أعلم أحدا ذكر ضم العقبين في السجود غير ما في هذا الحديث اه

<<  <   >  >>