بل كانت الأحاديث القدسية التي يصرح فيها النبي ﷺ برفعها إلى ربه قليلة، كقوله: يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني. الحديث [خ ٦٩٧٠] وهي وحي منزل كما أن سائر الحديث وحي منزل، فتلقى الراسخون في العلم هذا المنهاج فبلغوا الدين على نحو ما تلقوه من النبي ﷺ. وهذا مستفيض في الآثار لم يزل أصحابهم يحتجون بأفعالهم ويقتفونها. ثم من الناس من يقول: إنما فعلوا ذلك تورعا فقط! ويضمر في نفسه أن لو صرحوا لكان أمثل، وأنه لو كان مكانهم لبلغ الأمانة كما ينبغي!! أفٍّ لظن السوء، أفيتورعون على علم ونجسر نحن على الجهالة؟! نعم هو ورع، وإنه لَسنةٌ جارية.
وهذا ينبيك عن خطأ من ترخص في رواية الحديث الضعيف عن النبي ﷺ، فإذا كانت الصحاح على ما فيها من غَناء لا يكثر من روايتها فكيف بما لا يصح!
- ومنها أن نعلم أن أعمال العلماء من أصحاب النبي ﷺ سنة ونقل عن النبي بالعمل أقوى من الإسناد، لذلك رجحه مالك وغيره على الروايات. فهو أصل صحيح في الجملة لكنه غير خاص بالمدينة وإن كان أكثر ما يكون فيها. ثم لا يضرنا بعد ذلك ما يذكر من تعارض الوقف والرفع لأيهما يصار، لأن الغرض - وهو العمل - حاصل، فتدبر (١).
- ومنها أن نعلم غلط من اشترط التواتر اللفظي في الاحتجاج بالأخبار، إذ غفل عن هذه السنة. فالتواتر اللفظي غير مطلوب شرعا، ولو كان كذلك لتنافسوا فيه ولحرصوا عليه. لكنهم كانوا على منهاج متبع وهدي رشيد. فمن اشترط التواتر وتنكر لخبر الواحد الثقة أو أخره فقد سفه نفسه! وتلك بدعة أحدثها من لم يعرف سيرة القوم ..
- ومنها تقوية الحديث الضعيف السند بعمل الصحابة، ثم سَمِّه بعدُ صحيحا أو
(١) - أكثر من كتب في مصطلح الحديث بأخرة وأصول الفقه .. أشاعرة شافعية، فدونوا ما رأوا على أصولهم كهجر الاحتجاج بفتاوى الصحابة. فلتكن على ذكر .. وأحسن ما علمت من أقوال لعلماء زماننا في أصول الفقه الشيخ مقبلٌ اليماني كان إن شاء الله مقبلا على السنة مدبرا عن البدعة ﵀، ورحم أهل العلم من أصاب السنة منهم ومن تأول غيرها.