للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حسنا، لذاته أو لغيره .. فالغرض أن له أصلا في السنة، وقد عرفت أن السنة هي عمل النبي والصحابة بعده، والمقصود من الإسناد ما فيه من الفقه والعمل. وهذا مثل حديث معاذ في ترتيب الأدلة في القضاء (١)، فقد عمل به العلماء أبو بكر وعمر وابن مسعود وزيد بن ثابت وابن عباس (٢) .. فهو منهاج في القضاء وليس وصية وقعت من أحدهم عن اجتهاد. والإسناد ليس مقصودا لذاته، والنشاط لرفع الحديث وتكلفه في كل أمر ليس عليه العمل، فلا يضرنا إذ أثبتنا الأثر المعمول به كما جاء وعرفنا السنة أن لا نحقق في الرفع إلى رسول الله تأسيا بالأمر الأول. وقد جرى على هذا مالك بن أنس في الموطأ إذ يذكر الأحاديث والآثار عن فقهاء الصحابة وإن كانت مراسيل ومعاضيل، وربما اكتفى بها دون أن ينمي ذلك. والله أعلم.

ومنه ما روى مالك [٤٦٩] عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله لعمرو بن حزم أن لا يمس القرآن إلا طاهر اه وهذا كتاب توارثه آل ابن حزم، وعليه عمل الصحابة عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وسلمان وجابر بن عبد الله من غير خلاف بينهم في مس المصحف، والقول بجواز مسه للحائض والجنب بدعة إنما قال بها من لم يحتج بالصحابة في الأصول كابن حزم الظاهري (٣).


(١) - قال أحمد [٢٢١٥٣] ثنا عفان ثنا شعبة أخبرني أبو عون قال سمعت الحارث بن عمرو بن أخي المغيرة بن شعبة يحدث عن ناس من أصحاب معاذ من أهل حمص عن معاذ أن النبي قال لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن فذكر كيف تقضي إن عرض لك قضاء؟ قال: أقضي بكتاب الله. قال: فإن لم يكن في كتاب الله؟ قال: فسنة رسول الله . قال: فإن لم يكن في سنة رسول الله ؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو. قال: فضرب صدري فقال الحمد لله الذي وفق رسولَ رسول الله لما يرضى رسوله اه [ت ١٣٢٧] وهذا مثل القضاء في المواريث والقصاص ونحو ذلك .. بعضه منصوص في القرآن وبعضه لا يوجد إلا في السنة وبعضه مما اجتهد فيه الصحابة، وهو أمر معلوم من سيرتهم، وهو في القضاء خاصة.
(٢) - الكبرى للبيهقي كتاب آداب القاضي باب ما يقضي به القاضي ويفتي به المفتي فإنه غير جائز له أن يقلد أحدا من أهل دهره ولا أن يحكم أو يفتي بالاستحسان اه وإنما مظان هذا في الأقضية.
(٣) - ولقد اغتر بها بعض خيارنا! واستدلوا بما لا يقوم كقول النبي لعائشة: افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري [خ ٣٠٥/ م ٢٩٧٦] فقالوا: هذا عموم، ولم ينهها عن قراءة القرآن .. وكذلك نقول لم ينهها عن الصوم .. ! وإنما كلمها في أعمال الحج، أن تفعل مثل ما يفعلون في حجتهم غير ألا تطوف ..

<<  <   >  >>