للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قصد السائل العمل .. ومن أَلِف الجدل لم يقنع حتى يناقشه أحرام هو .. والأمر كان على خلاف ذلك. قال الدارمي [مقدمة السنن ١٨٤] أخبرنا هارون عن حفص عن الأعمش قال: ما سمعت إبراهيم يقول قط حلال ولا حرام إنما كان يقول: كانوا يتكرهون وكانوا يستحبون اه وقال ابن عبد البر: وذكر ابن وهب وعتيق بن يعقوب أنهما سمعا مالك بن أنس يقول: لم يكن من أمر الناس ولا مَنْ مضى من سلفنا ولا أدركت أحدا أقتدي به يقول في شيء: هذا حلال وهذا حرام، ما كانوا يجترئون على ذلك، وإنما كانوا يقولون: نكره هذا ونرى هذا حسنا، ونتقي هذا، ولا نرى هذا. [جامع بيان العلم وفضله ٢/ ٢٨٦] فمن عرف أن القصد العمل قنع بالهدي الأول.

- ومنها أن الأولى بالمفتي ألا يجيب عن كل ما يُسأل حتى يَعلَمَ السائلَ عاملا بما يعلم، فإنه مربي وارث. ومنه تعرف متى يلزم المفتي الجواب ويكون إمساكه كتمانا للعلم .. ومنه أن الجواب إنما يكون عما تحته عمل، فأكثر الناس لا يحسنون المسألة، والمفتي معلم، فإذا عودهم على ألا يسأل أحدهم إلا عما تحته عمل أصاب السنة ..

- ومنها معرفة ما ينبغي أن ينشغل به الطلاب من الحديث، فإن الانصراف إلى كتب الشمائل والمغازي ونحوها .. يشغل عن القرآن ومعرفة السنن التي شرعت للعمل كما تقدم عن عمر بن الخطاب، وفي هذا المعنى ما روي عن شعبة بن الحجاج قوله: إن هذا الحديث يصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة، فهل أنتم منتهون؟! [شرف أصحاب الحديث ٢٥٦] (١). وليس مراد شعبة الزهد في حديث رسول الله كما نعق أهل البدع، ولكن أن يكون درسه على منهاج الأولين العلم مع العمل، والأَولى فالأولى. كيف وبالحديث بيان كتاب الله، وفيه الحكمة المنزلة من الله، والدلالة على خير الهدى هدى رسول الله .. لكن ليحذر امرؤ يحتج بالحديث دون شهادة أصحاب


(١) - وقد روي عن ناس من أهل العلم نحوه كما روى البغوي في مسند ابن الجعد [١٨١٨] بسنده عن سفيان الثوري قال: لو كان الحديث من الخير لنقص كما ينقص الخير. وأخرج الخطيب بسنده عن مالك قال: ما أكثر أحد من الحديث فأنجح. وعن عبد الرزاق أنه قال: كنا نظن أن كثرة الحديث خير فإذا هو شر كله. [شرف أصحاب الحديث ٣٠١/ ٣٠٣] وهذا كله من هذا الباب مخالفة منهاج التلقي الذي كان سنة الناس قبلُ.

<<  <   >  >>