للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رسول الله فيكذبه الله ورسوله، فإن استدلال المستدل بالعموم والمفهوم والعلة ونحو ذلك يعني أن أغلب ظنه أن الله أراده وأن نبيه قصده في مقاصد كلامه، فيقذف بالظن من مكان بعيد، وإنما القصد من الحديث ما جرى في عمل النبي وأصحابه.

- ومنها أن من السنن المنسية سنة الصمت ولو كان المرء في جماعة، وقد روى ابن أبي عاصم في الزهد [٥٥] وغيره بسند صحيح عن إبراهيم قال: كانوا يجلسون، فأطولهم سكوتا أفضلهم في أنفسهم اه وانظر جامع ابن وهب وكتاب الصمت لابن أبي الدنيا.

وروى البخاري [٦٠٧٨] عن أبي ذر قال: خرجت ليلة من الليالي فإذا رسول الله يمشي وحده وليس معه إنسان قال: فظننت أنه يكره أن يمشي معه أحد، قال: فجعلت أمشي في ظل القمر فالتفت فرآني فقال: من هذا؟ قلت: أبو ذر جعلني الله فداءك. قال: يا أبا ذر تعال. قال فمشيت معه ساعة فقال: إن المكثرين هم المقلون يوم القيامة إلا من أعطاه الله خيرا فنفح فيه يمينه وشماله وبين يديه ووراءه وعمل فيه خيرا. قال: فمشيت معه ساعة .. الحديث. فانظر كيف كلمه بكلمة ثم سار ساعة ثم زاده أخرى كل ذلك صمت وسكينة.

وروى أبو داود [٤٧٥٥] عن البراء بن عازب قال: خرجنا مع رسول الله في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولما يلحد، فجلس رسول الله وجلسنا حوله كأنما على رءوسنا الطير. الحديث.

وفي صحيح ابن حبان [٤٨٦] عن أسامة بن شريك قال: كنا عند النبي كأن على رؤوسنا الرخم ما يتكلم منا متكلم، إذ جاءه ناس من الأعراب فقالوا: يا رسول الله أفتنا في كذا أفتنا في كذا. الحديث. وقد تقدم نحوه عن الصحابة والتابعين، وهو أمر مشهور. والقصد بالصمت ترك اللغو، والإقبال على الذكر في السر.

- ومنها أن تعلم وجوها للمخالفة في بدع يدعي أصحابها عدم المخالفة فإذا خالفت سنة الصمت فحسبك بها .. كالجهر بالذكر عند الجنائز وملازمة الوعظ عند الدفن .. ومن جهل هذه المعاني ظن في الدين الكامل نقصا وفراغا!! فلم ير الابتداع مخالفة ..

<<  <   >  >>