بما يناجيه به ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن اه [د ١٣٣٢ من وجه آخر] فالتمسك بهذا الإطلاق - على طريقتهم - وهو النهي عن الجهر حتى يأتي دليل الإذن أولى من غيره، لأن مطلقا يوافق الأصول أولى من المعارض كما يقولون. وفي الموطأ [٢٨٦] وغيره عن ابن شهاب عن ابن أكيمة الليثي عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة فقال: هل قرأ معي منكم أحد آنفا؟ فقال رجل: نعم أنا يا رسول الله. قال فقال رسول الله ﷺ: إني أقول ما لي أنازع القرآن! [صحيح] فهذا النبي ﷺ سيد الخاشعين. فكيف يزعم مَنْ دونه أنه لا يضره ذلك؟! أو أنه لا بأس به! لذلك نهى عن الجهر بالذكر كثير من السلف كما تقدم.
وقال أبو عبيد [فضائل القرآن ٢٤٨] ثنا يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن حرملة قال: جاء الأعلم المؤذن فرفع صوته بالقراءة فحصبه سعيد بن المسيب وقال: أتريد أن تكون فتانا؟ سند حسن.
وقال ابن سعد [٢٧٠٠] أخبرنا سليمان أبو داود الطيالسي قال أخبرنا شعبة قال ابتداء سمعت علي بن الحكم يحدث عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: كان أصحاب رسول الله ﷺ إذا قعدوا يتحدثون كان حديثهم الفقه إلا أن يأمروا رجلا فيقرأ عليهم سورة أو يقرأ رجل سورة من القرآن اه وهذا سند صحيح، وأبو سعيد أحد رواة الحديث الذي استدل به المخالف [م ٧٠٣٠] وهو ما ثبت عن النبي ﷺ من فعله [خ ٤٥٨٢] وهو القائل: "وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله" الحديث [م ٢٦٩٩] وهو الذي عمل بما قال، وبَيَّنَ ما أراد ﷺ.
ومعلوم أن من استمع للقرآن كان كالقارئ لما عُلم أن من رضي عملا أو أقر عليه كان عاملا حُكما، قال تعالى خبرا عن قوم صالح (فعقروها)[الشمس ١٤] فنسب العقر للقبيلة، والذي باشر العقر واحد وهو أشقاها. ولها نظائر كثيرة، لذلك قال من قال من السلف أن قراءة الإمام قراءة للمأموم (١) فسمي قارئا وهو منصت. كذلك قوله:"يتلون"، نسب التلاوة للجميع ولم يتلفظ بها غير واحد، وإنما أخبر عن
(١) - جزء القراءة خلف الإمام للبخاري والأوسط لابن المنذر.