فعلهم الذي عرفنا صورته. قال أبو بكر الطرطوشي [الحوادث والبدع ص ١٢٢]" .. أن قوله ﷺ: "يتلونه" و"يتدارسونه" خطاب عربي، ومعلوم من لسان العرب أنهم لو رأوا جماعة قد اجتمعوا لقراءة القرآن على أستاذهم ورجل واحد يقرأ القرآن لجاز أن يقولوا: هؤلاء جماعة يقرؤون القرآن أو يتدارسونه وإن كانوا كلهم سكوتا. وكذلك لو مر عربي بجماعة قد اجتمعوا لتدريس العلم والتفقه فيه أو لسماع حديث رسول الله ﷺ لجاز أن يقول: هذه جماعة يدرسون العلم ويقرؤون العلم والحديث، وإن كان القارئ واحدا اه وهذا مثل ما في الصحيح [خ ٢٦٣٦] عن مالك بن الحويرث قال انصرفت من عند النبي ﷺ فقال لنا أنا وصاحب لي: أذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما اه فهل يصح أن نقول أَمَرَهما أن يتلفظا بالأذانين معا؟ جواب المتأول في ما تأول جوابُنا ..
وقد قال طائفة من الأصوليين أن المطلق إذا وقع العمل به على وجه لم يكن حجة فيما عداه، وأنه دون النظر في العمل متشابه، كذلك الشأن في الحديث: وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله. فيه عموم في الأعيان والبيوت ("قوم" و"بيت" نكرة في سياق الشرط) وصورة إطلاق في كيف التلاوة "يتلون" لا يحتج به في غير ما بَيَّنَ دلالتَه العملُ الأول.
وانظر كم ضيعت هذه البدعة من سنن، ضيعت سنة الإنصات والخشوع وسنة التدبر والسكينة ..
وقد تقدم إنكار الضحاك بن عبد الرحمن الدراسة جماعة بقوله: إن هذا شيء ما سمعته ولا رأيته ولا سمعت أنه كان قبل. وقد تحمل العلم عن أبي موسى الأشعري الذي كان يشَبَّه بداود النبي ﵊ لحسن تلاوته، فما علَّمه تلك الدراسة وكان الضحاك بالشام حيث آثار أصحاب معاذ بن جبل الذي أوصى النبي ﷺ بأخذ القرآن عنه، فما فعلوا ذلك. وإنه ليسع الناس ما وسعهم.
فإن قيل: هي مصلحة مرسلة نريد بها الحفظ! قلنا: ليست مرسلة بل هي ملغاة بما تقدم من الأدلة. وقد كان السابقون الأولون أولى الناس بالأخذ بتلك المصلحة لو كانت معتبرة لقلة من كان يعرف الكتابة والقراءة فيهم، بخلاف زماننا، فالقلم فيهم