للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فخلوا سبيلهم) [التوبة ٥]؟ ولكن حسن القضاء بالإيمان أو الكفر على الرجال هو من حسن الفقه في الإيمان وضده. فلما حدث الفرق "الاصطلاحي" حدث الإشكال، والأمر أقرب مما ظنوا. والعصمة من الله تعالى.

ولما أطلق لفظ "الحكمة" على فلسفة الأعاجم عظم في النفوس خطرها ونصبوها معارضة للحكمة الحق سنة النبي ، فاجتالهم "المصطلح" عن دينهم لما حرف عن موضعه!

ولفظ "التأويل" في القرآن بمعنى تحقق المخبر عنه وهو تفسير بالمعاينة كما قال تعالى (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله) [يونس ٣٩] أي لم يأتهم تحققه ومعاينته بعد، وقال يوسف لأبيه لما عاين رؤياه (هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا) [يوسف ١٠٠] وهذا كثير. لكن حدث من أطلقه في غير ما كان، في ما صُرف عن ظاهره بدليل منفصل! فصاروا يحرفون ظواهر الآيات وأخبار النبي إلى المجازات المتكلفة، وقالوا: هذا من التأويل الذي يعلمه الراسخون في العلم وحملوه على التأويل في الآية (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به) وإنما هو تحريف الكلم عن مواضعه وإحداث في "المصطلح" ..

ومثله لفظ "المجاز" أحدث في اللسان على غير استعمال العرب والأولين فكدر صفو البيان، وقد تولى بيان عَواره الشيخ أبو العباس ابن تيمية رحمة الله عليه.

فانظر إلى جناية حوادث "المصطلحات" على العلم، لتعلم أن كل بدعة ضلالة.

وسواء علينا أقلنا عن اللغة توقيف أو اصطلاح (١) فإن الألفاظ الشرعية التي تدل على معان شرعية في كلام الله ورسوله لا ينبغي أن تستبدل بغيرها، ولا أن توضع في غير سياقها .. وكل بدعة ضلالة، والبركة كلها في ما أنزل الله على رسوله.

فليحذر العبد أن يستن بأحبار أهل الكتاب الذين كانوا يحرفون الكلم عن مواضعه المنزل لها، ويلوون ألسنتهم بالكتاب فيغيرون اللفظ ليتغير المعنى ويزول


(١) - الصاحبي في فقه اللغة العربية وسنن العرب من كلامها لابن فارس، باب القول على لغة العرب أتوقيف أم اصطلاح.

<<  <   >  >>