للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القرآن إنما نزل بلسانها، أي بما تعارفت عليه من استعمال الألفاظ، فما يخطر بذهن العربي عادة إذا تكلم، وما يفهمه العربي عادة من اللفظ هو اللسان، فهو كلمات ومعاني (١)، لها دلالتها النفسية والعلمية (٢) ..

وقد ذهل عن هذا المعنى ناس من المسلمين ممن ينظر في ما سمي "الإعجاز العلمي" ففسروا كلام الله بما لا يجري على لسان العرب، كتفسيرهم الذرّة بما اصطلحوا عليه، والصبغ في قول الله تعالى (وصبغ للآكلين) [المومنون ٢٠] ونحو ذلك مما لم يكن للعرب به عهد، وإنما نزل القرآن بعرف العرب لا بلسان "التجريبيين" .. وإنما يصح مما يذكرون ما كان من جنس التأويل أي تحقق المخبر عنه، كما قال نبي الله يوسف (هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا) [يوسف ١٠٠] وقال الله تعالى


(١) - قال الشافعي: فإنما خاطب الله بكتابه العرب بلسانها على ما تعرف من معانيها. [الرسالة ١٧٣] وقال ابن تيمية: واللسان تقارنه أمور أخرى من العلوم والأخلاق الخ [اقتضاء الصراط ص ١٦٣]. راجع المسألة الثالثة والرابعة من قصد الإفهام من الموافقات.
(٢) - قال ابن جرير [التفسير ١٧/ ٢٧١] حدثني الحارث قال ثنا القاسم قال ثنا محمد بن كثير عن عثمان بن عطاء عن أبيه قال: إنما نزل القرآن على قدر معرفتهم، ألا ترى إلى قول الله تعالى ذكره (والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا) وما جعل لهم من السهول أعظم وأكثر، ولكنهم كانوا أصحاب جبال، ألا ترى إلى قوله (ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين) وما جعل لهم من غير ذلك أعظم منه وأكثر، ولكنهم كانوا أصحاب وبر وشعر. ألا ترى إلى قوله (وينزل من السماء من جبال فيها من برد) يعجبهم من ذلك، وما أنزل من الثلج أعظم وأكثر، ولكنهم كانوا لا يعرفونه. ألا ترى إلى قوله (سرابيل تقيكم الحر) وما تقي من البرد أكثر وأعظم، ولكنهم كانوا أصحاب حر اه فهذا تنبيه من عطاء الخراساني على أن فهم القرآن إنما يكون على ما عهدته العرب. دع عنك سند هذا الأثر فما أفادك صحيح. وقد قال الشافعي في الرسالة [٥٧٥]: ورسول الله عربي اللسان والدار، فقد يقول القول عاما يريد به العام، وعاما يريد به الخاص كما وصفت لك في كتاب الله وسنن رسول الله قبل هذا .. الخ ما قال .

<<  <   >  >>