وروى الخطيب [الفقيه والمتفقه ٤٩٩] عن علي بن عبد العزيز البغوي نا أبو الوليد القرشي نا محمد بن عبد الله بن بكار القرشي حدثني سليمان بن جعفر نا محمد بن يحيى الربعي قال: قال ابن شبرمة: دخلت أنا وأبو حنيفة على جعفر بن محمد بن علي وسلمت عليه، وكنت له صديقا، ثم أقبلت على جعفر، وقلت: أمتع الله بك، هذا رجل من أهل العراق له فقه وعقل، فقال لي جعفر: لعله الذي يقيس الدين برأيه! ثم أقبل علي فقال: أهو النعمان!؟ - قال محمد بن يحيى الربعي: ولم أعرف اسمه إلا ذلك اليوم - فقال له أبو حنيفة: نعم أصلحك الله، فقال له جعفر: اتق الله، ولا تقس الدين برأيك، فإن أول من قاس إبليس، إذ أمره الله بالسجود لآدم، فقال: أنا خير منه، خلقتني من نار وخلقته من طين - فذكر كلاما ثم قال له - ويحك أيها أعظم عند الله: قتل النفس التي حرم الله أو الزنا؟ قال: لا، بل قتل النفس. قال له جعفر: إن الله قد رضي في قتل النفس بشاهدين، ولم يقبل في الزنا إلا أربعة، فكيف يقوم لك قياس؟ ثم قال: أيهما أعظم عند الله الصوم أم الصلاة؟ قال: لا، بل الصلاة قال: فما بال المرأة إذا حاضت تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ اتق الله يا عبد الله ولا تقس، فإنا نقف غدا نحن وأنت ومن خالفنا بين يدي الله ﵎، فنقول: قال الله ﷿ وقال رسول الله ﷺ: وتقول أنت وأصحابك سمعنا ورأينا، فيفعل الله تعالى بنا وبكم ما يشاء اه
لكن لما فرح بهذه المعاني من أشربها قالوا: ربما جاءت السنة بخلاف القياس! وإنما هو ما توهموه قياسا ..
ثم إن جماع أصول الفقه كلها أمران:
أ - العلم بلسان العرب قبل الإسلام، وهذا يؤخذ بعد كتاب الله من الحديث والأثر وأشعار العرب وأمثالها، لمعرفة الاستعمال ومقاصد العرب في كلامها (١)، فإن
(١) - أما النحو والصرف وفنون البلاغة فتلك ملاحظ لا تكفي طالب اللسان، لكن إذا طالعها بأخرة. وقد دخلها صنعة المنطق يُبدأ بالقواعد ثم المسائل سنة الروم في علومها على خلاف العرب الأميين، وصيغت معانيها على طريقة المناطقة .. فتلفي الشيخ الحافظ لمتونها الدائب على تدريسها لحانة لا يحسن يبين، فيكد معه طُلابه في طِلابه العَسِر، ثم لم يلبثوا أن يقولوا: النحو صنعتنا واللحن عادتنا. وإنما يحتاجه دارسه عند التعليل، أن هذا مخفوض بدلالة كذا وهذا مبني لأنه كذا .. ولا يستطيع أن يعرب لفظا حتى يَفهمه في سياقه، ولم يكن مرجعه في تقويم لسانه إلى القواعد. ولكن إذا سعى الشيخ مع الأحداث في إقراء القرآن وحفظ الحديث وأشعار العرب الأولى وأمثالها، وشافههم بالعربية، وفقههم بمذاهب الأولين، وأخَّر ما يُقدمه المتأخرون إلى حين، لأنجح إن شاء الله، وهذا الذي درج عليه الصحابة في تعليم الأعاجم زمان الفتوح، وإنه ليسعنا ما وسعهم ..