النبي فيه: وما سكت عنه فهو عافية فاقبلوا من الله العافية اه فبين العلة وهي العافية حيث مظنة الحرج كما قال ربنا ﵎(يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها والله غفور حليم)[المائدة ١٠١] فقوله (عفا الله عنها والله غفور حليم) تنبيه على أن العلة هي الحرج، عفا عما يحرجكم ويعنتكم، وذِكرُ أسماء الله الحسنى في سياق الأحكام هو من العموم بعد الخصوص وزينة جوامع الكلم، فحيث وجد الحرج فالله غفور حليم، في الشيء اليسير أو التابع الذي يعسر التخلص منه وما لو تُتُبع لوقع الحرج. فتأمل جوامع الكلم في كلام الله وكلام نبيه تجد الغنية، وبالله التوفيق.
وبالجملة فالحاجة إلى هذه القواعد المحدثة منعدمة في المسائل المذكورة في الكتب إلا ما جرى على لسان الأولين، فإنك متى نظرت في فروعها التي ينزلونها فيها وجدت أقرب حجة من كتاب الله أو السنة وعمل الأولين مغنية عن تكلف ذلك .. كقولهم: إذا طلع الفجر وهو مجامع فنزع في الحال صح صومه لأنه يغتفر في الابتداء ما لا يغتفر في الدوام عكس التي مضت، والحكم دل عليه بأيسر من ذلك وأحسن قول الله تعالى (فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر)[البقرة ١٨٧] فعفا عمن أقلع عن شهوته عند الفجر وإن أدركه الصوم جنبا، وكذلك كان النبي يفعل [الموطأ ٦٣٨].
وكثير من هذه المعاني كالدوام والتبع .. إنما هي أوصاف مقترنة بالعلة لا العلة نفسها .. وما ساغ منها فالعيب في لفظ العموم الذي وضع لها فما كل استدامة أقوى من الابتداء كما رأيت، وما كل نفل يغتفر فيه ما لا يغتفر في الفرض .. فبهذا الانكسار لا تصلح أن توضع جوامعَ للكلم، فلذلك تركها الصحابة، فإنهم على علم وقفوا وببصر نافذ كَفُّوا، وعرفوا جوامع الكلم التي قد أُحكمت طردا وعكسا ..
ومن التمس اطراد تلك المعاني خالف السنة لا بد، وهذا ما شنعه الناس على أهل الرأي كما قال ابن وهب [جامع بيان العلم ١٠٤٨] أخبرني يحيى بن أيوب عن عيسى بن أبي عيسى عن الشعبي أنه سمعه يقول: إياكم والمقايسة فوالذي نفسي بيده لئن أخذتم بالمقايسة لتحلن الحرام ولتحرمن الحلال، ولكن ما بلغكم من حفظ عن