للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يكن في نفسه قربة، وليس العرف خاصة. ومن أوضح الشواهد على ذلك حديث القاسم عند مسلم [١٧١٨] إذ ألغى عملا " ليس قربة " وذكر قول النبي : من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد اه وهذا الحديث هو أصل في رد محدثات "التعبد"، وراوي الحديث أدرى بما روى. ولم يزل العلماء يردون كثيرا من العادات في الجنائز والأعراس وغيرها .. ويسمونها بدعا (١).

وقد علم أن الدين أحصى كل أعمال بني آدم حكما وشرع فيها سننا، ففرض المواريث ونظم أحكام الجوار والبيوع والرضاع والقضاء .. وأوصى الخلق بامتثال الأوامر واجتناب النواهي فيها. والطاعةُ في ذلك كله هي التعبد عينه، وكل ذلك هو الدين المطلوب طاعة أمر الله ورسوله فيه، كما قال تعالى (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله) الآيات [التوبة ٢٩] وهو ما كانوا يستبيحون كالخمر والخنزير مما أحدثوه في شريعة عيسى . لذلك كان معنى قول النبي : " أمرنا " هو ديننا كما في بعض الروايات (٢) وهو الصراط المستقيم بقرباته وعاداته.

فإن قيل: تعريف البدعة بأنه ما يضاف إلى الشرع وليس منه مشعر بأن من أعمال بني آدم ما ليس من الشرع! وهذا مشكل على ما تقرر من أنه قد أحاط بكل شيء حكما؟!

الجواب: أن قولنا ما ليس من الشرع أي ما لم يوضع للعمل به. فإذا قلنا أن المعاصي مثلا ليست من الدين لا أن الشرع لم يسن فيها حكما ولكن أن ليست مما يؤمر بفعله (٣).


(١) - ومن تأمل كلام الكبار عرف ذلك، وقد جرى في كلام ابن تيمية منه طائفة، فقد ذكر أن غسل مقاود الخيل بدعة، وقال: وثوب القصاب وبدنه محكوم بطهارته وإن كان عليه دسم، وغسل اليدين من ذلك وسوسة وبدعة. [مجموع الفتاوى ٢١/ ٥٢١] وقال: أكل الشوى والشريح جائز سواء غسل اللحم أو لم يغسل، بل غسل لحم الذبيحة بدعة فما زال الصحابة على عهد النبي يأخذون اللحم فيطبخونه ويأكلونه بغير غسله وكانوا يرون الدم في القدر خطوطا .. ثم قال: وسكين القصاب يذبح بها ويسلخ فلا تحتاج إلى غسل، فإن غسل السكاكين التي يذبح بها بدعة وكذلك غسل السيوف الخ. [المجموع ٢١/ ٥٢٢] وهذا باب واسع.
(٢) - لفظ البغوي [شرح السنة/ الإيمان/ باب رد البدع والأهواء] "من أحدث في ديننا ما ليس منه فهو رد".
(٣) - لذلك كان التعريف الأصح الذي حكاه الشاطبي للبدعة [الاعتصام ١/ ٢١] هو " طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية " على قول من لاحظ جريان البدعة في العادة.

<<  <   >  >>