للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذلك أن التشريع الأصلي والسنة والصراط والدين الذي جاء به النبي هو العبادة أي مطلق الطاعةِ والعملِ الصالح قال تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) [الذاريات ٥٦] وهو العمل الصالح الذي يطلب أصالة من العباد، لذلك إنما يُذكر في أعمال الأنبياء وأهل الجنة العملُ الصالح (اعملوا آل داود شكرا) [سبأ ١٣] (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا) [المؤمنون ٥١] (آمنوا وعملوا الصالحات) [البقرة ٢٥] فإنما يذكر العمل بما فيه ترك ما لا يحبه الله، وهذا هو الصراط الذي به يسار إلى الله تعالى .. دون ما يتسامح في فعله أو يعفو الله عنه كالخطأ واللغو أحيانا ونحو ذلك .. لكن ما يسلك به إلى الدار الآخرة هو السنة، وهو الذي يسميه الأصوليون مطلوب الفعل، وهو الواجب والمستحب والمباح، والواجب واجب الفعل وهو الفرض وواجب الترك وهو المحرم، والمستحب يدخل فيه مستحب الترك وهو المكروه، والمباح هو مطلوب بالكل كما تمهد قبل. كل ذلك من المحبوب الإتيان به فعلا أو تركا، واللفظ الجامع له هو السنة.

ولا يشكلن ما وراء ذلك من وسائل المعاش التي قال فيها النبي: أنتم أعلم بأمر دنياكم (١)، كطريقة الحرث والزرع وتلقيح النخل ووضع السدود والصناعات .. فإنه مما سكت عنه الشرع لا مما أهمله أي مما أقر الناسَ على سنتهم فيها، من جنس الأمر بالعرف الجاري ما كان لا يخالِف سنة.

وكيف يُظن وكثير من ذلك هو من "الضروريات" فيه أو مما يخدمها! لكنما وَكَلَها إلى ما جبلوا عليه (٢)، قال أحمد [الزهد ٣١٧] حدثنا عبد الرحمن قال: سمعت مالكا قال: قال عطاء بن يسار: دينَكم دينكم، لا أوصيكم بدنياكم، أنتم عليها حراص، وأنتم بها مستوصون اه


(١) - من الناس من أخذ هذا العموم ولم يدر كيف جرى العمل العتيق عليه فأخطأ السبيل، وضارع النصرانية.
(٢) - الموافقات المسألة الثالثة من قصد الامتثال من كتاب المقاصد.

<<  <   >  >>