للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والدين والفطرة كل من عند الله (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم) [الروم ٣٠] فسوى بين الفطرة والدين. فما علَّمه الرب سبحانه لابن آدم بالفطرة وَكَلَه إليها ولم يؤكده شرعا لأنه (خلق فسوى) و (قدر فهدى) [الأعلى ٤] فهداه بالفطرة إلى وجوه الانتفاع، إلا إذا غلط العباد في شيء من أمور معاشهم نطقت السنة لردهم إلى الفطرة كالنهي عن لحوم السباع .. فهذا منهاج شرعي من لم يبصُر به ظن أن الدين أهمل أمور الدنيا! والصواب أنه أقرها يرقبها. وهذا كما ترك النبي الوصاة لأبي بكر بالخلافة لما علم أنه لن يكون قدرا إلا كذلك وقال: يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر اه [م ٦٣٣٢].

لكن أمور الدنيا منها ما هو من المباح المطلوب، ومنه ما هو من العفو المعذور أهله (١) ..

والعفو من الله مثل الإقرار من النبي حكمه الجواز رفعا للحرج. وقد تبين أن ما ثبت بالتقرير ليس المقصودَ أصالة من البعثة، أي ليس الذي وضع أصالة للتدين، ولكن من فعله سُكت عنه كما سكت النبي عمن فعله.

والمقصود أن معنى ما يضاف إلى الشرع أي إلى المطلوب فعله والسير عليه، وهو السنة واجبها ومندوبها ومباحها الذي يؤمر بفعله، ما سوى ذلك ليس من السنة ولا من الدين، لا بمعنى أنه أهمله، ولكن بمعنى أنه لا يتخذ عملا للآخرة وهو المحرم والمكروه والمسكوت عنه كما تقدم في فصل المباح والعفو.

فمن واقع مكروها وزعم أنه محبوب فقد أضاف إلى الدين - أي إلى ما يتدين بفعله - ما ليس منه فهو محدث رد، وهكذا سائر من عمل عملا ونسبه إلى الدين فقد تدين به، والتدين في لسان العرب الطاعة (٢) فهو عند نفسه مطيع إذ ظن أنه مطلوب منه .. وإنما الاتباع بإحسان أن تأخذ العمل بِنِيَّتِهِ كما تمهد.


(١) - الموافقات المسألة العاشرة من أحكام التكليف.
(٢) - قال الجوهري [الصحاح د ي ن]: والدين: الطاعة. ودان له، أي أطاعه .. ومنه الدين، والجمع الأديان. يقال: دان بكذا ديانة وتدين به، فهو دَيِّنٌ ومتدين اه والتدين إما تدين صحيح وهو السنة، وإما باطل وهو الشرك والبدعة.

<<  <   >  >>