للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعليه يقال: إما أن تُعَرَّف البدعة بأنها ما يضاف إلى الشرع فيشمل المباحات، فعلة الابتداع حينئذ نسبته إلى الشرع، كراكب المعصية، هي معصية ما كان يعترف أنها معصية، لكن إن ظن أنها مباح كانت بدعة لأن معناه نسبته طلب الشرع عمله، وقد عرفنا أن المباح سنة مطلوبة.

وهذا هو السبيل الأمثل الذي درج عليه الناس أول الأمر، وبه يزول الإشكال من أصله، ويتضح دخول البدعة في العادات.

أو نقول في البدعة: أنها معلقة بالتعبد، فالتعبد له وجهان:

- استعمال بالمعنى العام الذي تقدم ذكره وهو مطلق العمل بالشرع أو بما ظُن أنه من الشرع، فلا إشكال في دخول التعبد بهذا المعنى في العادات إذ التعبد لله طاعة أمره، فمن زعم في شيء عمله أنه مأمور به فعلا أو تركا فقد تعبد. ومعنى الطاعة والامتثال أظهر في ما حجب عنا حكمته مما أَلحَقَه العلماء بالتعبد الذي يعمل به ولا يعقل معناه. كما في قصة سعيد مع ربيعة الرائي في دية الأصابع قال له: هي السنة يا ابن أخي اه ومن هذا الضرب مقادير الحدود والمواريث .. وهذا التعبد الذي هو فعل الله أي حجب الحِكم وابتلاء العباد بالطاعة (١). إلا أنه على هذا الوجه مراتب أعلاها وأظهرها الاحتساب وتجديد نية الأجر في كل عمل، وأدناها وهو أدقها أن يعمل معتقدا أنه داخل الشرع من غير حضور نية الاحتساب الخاصة، فإنه قد دخل في عقد عام مع ربه وميثاق مجمل أن يلتزم بطاعة أمره وألا يتعدى حدوده، فحيث اعتقد في شيء أنه مباح طيب دون أن يكون في الدين كذلك فقد تعبد وابتدع.

- أو التعبد بمعنى الاحتساب و نية التقرب التي يصير معها العمل مستحبا كما كان معاذ يحتسب نومته، فهو جار في العادات، إلا أنه إما تعبد حقيقي وهو ما يكون عند وجود نية التقرب والاستعانة على الطاعة، وإما أنه ذريعة إلى ذلك، وهو إذا اعتقده من الدين وأضافه إليه، فهذا الاعتقاد مَظِنة وجود الاحتساب آنا أو مآلا. فإذا عمل العبد عملا غير مطلوب للشرع يظن أنه مطلوب فهو بدعة من باب الوسائل


(١) - الموافقات المسألة التاسعة عشرة من قصد الامتثال من كتاب المقاصد. الاعتصام ٢/ ٥٦

<<  <   >  >>