للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على هذا الوجه، فلربما أخذت الذرائعُ ألقاب مقاصدها كما تأخذ أحكامها، مثل ما في الحديث: كتب على ابن آدم نصيبه من الزنى مدرك ذلك لا محالة: فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرِّجل زناها الخُطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه اه [م ٢٦٥٧]. فسمى الوسيلة تسمية الغاية. كذلك قوله : إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه قيل: يا رسول الله وكيف يلعن الرجل والديه؟! قال: يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه اه [خ ٥٦٢٨] فسمى التسبب إلى اللعن لعنا. فعلى هذا الوجه يسمى بدعة ما كان مظنة لأن يصير متعبدا به بأن يلحق بما مثله في الشرع عبادةٌ وهو المطلوب الفعل، من غير أن يكون في الشرع كذلك وهو المُزهَّد فيه. فتكون البدعة على هذا الوجه منها ما يسمى بدعة من باب المقاصد وهو ما تحقق فيه نية التقرب، ومنها ما يكون من باب الوسائل. وعليه تعرف البدعة بأنها ما التُمس به الثواب أو كان مظنة لذلك.

والفرق بين هذا الوجه والذي قبله أن الأول يسمى فيه العمل الذي هو ذريعةٌ على الوجه الثاني بدعةً حقيقة، لأن العلة هي الإضافة إلى الدين احتسب ذلك أو لم يحتسب أجرا، وهو الأصح الأجرى على هدي الأولين، لذلك قال النبي : "من أحدث في أمرنا" أي زاد فيه وأضاف إليه ما ليس منه، لذلك عدها أهل العلم من السلف افتراء على الله، وبينوا أن المبتدع داخل في الآيات والأحاديث المتوعدة للمفترين كما قال سفيان في قول الله تعالى (إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين) قال: كل صاحب بدعة ذليلٌ اه [تفسير ابن أبي حاتم ٩٠٠٨] أي أن قوله سبحانه (وكذلك نجزي المفترين) قاعدة في سياق خبر خاص عن بني إسرائيل لما أحدثوا بعد نبيهم في دينه ما ليس منه فكانوا بذلك مفترين، فجاء جامع من جوامع الكلم ليدل على أنه حكم عام. والله أعلم.

وسواء علينا إذ كان بدعة على الوجهين قلنا هو من باب الذرائع أو المقاصد اللطيفة .. إذ القصد الاجتناب وهو واقع على الوجهين.

فتبين أن البدعة على كل حال داخلة في العادات من غير إشكال، والحمد لله.

<<  <   >  >>