للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فما سن النبي وكان كذلك زمن الخلفاء فالأصل أنه تشريع قائم وحكم دائم (١)، وما استشار فيه أصحابه أو أخبرهم برأي فهو إعلام منه أنه مما يرِد فيه الاجتهاد على حسب الحال واختلاف الزمان .. وإن من الفقه أن تنتبه إلى منهاج التشريع فإنه يفتح أبوابا من العلم مشرعة ..

وإن منشأ الغلط من إحداث جوامع للكلم تضاهي الشرعية، فاغتروا بعموم من قال أن عادات الناس مرسلة، فصارت دليلا شرعيا يجمع بينه وبين كلام الله ورسوله عند "التعارض"، ولم يكن هذا من جوامع الكلم التي بينها رسول الله للعلماء من أصحابه .. وما صح منه إلا ما وافق السنة، والعيب فيه إطلاق العموم وإدخاله في جوامع الكلم .. وإنما الأمر أن تتبع السنة فما وجدت فيها نهيا تركته، وما جرت به السنة فعلته، وما سُكت عنه فهو عفو ..

وملاك الأمر أن نقول في كل ما يحدث بعد النبي من العادات ضربان (٢):

- الأول: ما كان من جنس ما لا يتغير مع الأزمان كآداب الدفن وآداب الطعام والشراب .. هذا النوع جاء الشرع فيه بالأدب العام الذي هو من جنس سنن الفطرة التي لا تبديل لها .. فخير الهدى فيه هدى محمد . ومن سن فيه أدبا ليُتخذ عادة فهو استدراك. لذلك كان القول بحلق اللحية وحلق الإبط بدعة ظهرت في الإسلام لأن إعفاء اللحية ونتف الإبط من سنن الفطرة .. وهكذا كل ما كانت مظنة الأخذ به زمن النبي ثم لم يَسُنَّه فالسنة إهماله .. وكيف يكون من الأحكام المطلوبة في الشرع مما لا يختلف مع الأزمان والأمم ثم لا يدل أمته عليه؟!

- الثاني: ما كان يتغير مع اختلاف الأزمان والقرى .. مما كان النبي والخلفاء يقرونه في أهل الآفاق على اختلافهم كهيئات اللباس الساتر .. وما كان يستشير فيه أهل العلم من أصحابه .. كذلك سائر ما أحال الشرع فيه على العرف كمقادير الصداق والنفقة .. فالنبي لم يوقت فيه شيئا، وإنما أرشد إلى اتباع ما تعارف عليه الناس، وما


(١) - تقدم قول عمر بن عبد العزيز: فما أحل الله على لسان نبيه فهو حلال إلى يوم القيامة. وما حرم على لسان نبيه فهو حرام إلى يوم القيامة.
(٢) - الموافقات المسألة السادسة عشرة من قصد الامتثال.

<<  <   >  >>