للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويَبين وجهُ الابتداع في نصب الخيام على القبور، لتوهم النفع فيه وإكرام الميت به، فأدخل في صالحي الأعمال المطلوبة شرعا وفطرة.

ووجه من سمى اليمين مع الشاهد بدعة ونحوها .. لإضافتها إلى الدين، واعتقاد صاحبها أنه عامل في القضاء بالشرع، وهو أيضا مظنة التماس الأجر على الطاعة ..

كذلك كان من طلق في الحيض مُطَلِّقا في بدعة لظنه أن ذلك جائز، فنسب بفعله إلى الشرع جواز ذلك، فكأنه أراد أن يسرحها بإحسان عملا بالآية، فخالف السنة في الطلاق.

ومنه قول عمر بن عبد العزيز: "وإظهارك المعازف والمزمار بدعة في الإسلام " فقوله: "إظهارك .. في الإسلام" مظنة استباحته لها ونسبة الترخيص فيها إلى الشرع، أو أن الإظهار مع السكوت عنه مظنة اعتقاد جواز ذلك، وهذا إضافة حكم إلى الشرع ليس منه.

ومنه قول مالك في إحفاء الشارب: " ينبغي أَنْ يضرب من صنع ذلك فليس حديث النبي في الاِحفاء ولكن يبدى حرف الشفتين والفم". وقوله: "حلق الشارب بدعة ظهرت في الناس "، أي أنهم فعلوه على أنه سنة الفطرة، لذلك ذكر الحديث الذي تأولوا ذلك منه (١).

فأنت ترى أن ما نسب إلى الدين، أو خيف أن يغيَّرَ عن رسم الشريعة بوجه منعوه وسموه بدعة وحدثا لم يكن، وإن قُدِّر أنه من باب الذرائع.

فتأمل هذه النكتة ونزِّل عليها ما أشكل من الآثار يتبين وجه إطلاق اسم البدعة على العادات، فقد كان السلف أعمق علما وأَحَدَّ نظرا، فَلَرُبَّ عمل عندنا هو أدق من الشَعَر، كان عندهم أوضح من الأعلام.

وكثير من أبناء زماننا دب إليهم لوثة الروم الذين فصلوا الدين عن الحياة، وغفلوا عن معنى الابتداع في العادات، وظنوا أنها كلها مرسلة .. ! ولم يفرقوا بين الوسائل التي وضعت تقبل التغير مع الزمان والأحوال .. والمقاصد التي جاء الشرع بمراعاتها ..


(١) - الاعتصام ٢/ ٥٦ والموافقات المسألة التاسعة عشرة من قصد الامتثال.

<<  <   >  >>