للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقام في خطبته ناصحا يقول: ولا تحدثوا حلفا في الإسلام [ت ١٥٨٥] وقال : فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة اه فأخبرنا بحصول الاختلاف في الدين، وأن المخرج منه التمسك بسنته وسنة أصحابه الخلفاء، والحذر من البدع المحدثات التي هي منشأ الاختلاف. وقال : اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، فإذا اختلفتم فقوموا [خ ٤٧٧٣] أي لا تستمروا في الاختلاف. وقد تقدم من أعمال الصحابة ما شاء الله كما في قصة عمر يوم اختلف أبي وابن مسعود.

فالاختلاف ليس مطلوب الوجود، ولكن معفو عنه عند الوقوع لرفع الحرج، فمتى وقع من عالم ولا عالم إلا الصحابة فمن اتبعهم، وإلا فإن خلاف الأصاغر في الدين هو البدعة، لذلك أنكر الصحابة على الخوارج والقدرية .. دعاواهم في الاعتقاد والفتوى وهم أصاغر جاؤوا بالمحدثات بعد الكمال ..

روى ابن عبد البر [جامع بيان العلم ٥٧٠] بسنده عن نعيم بن حماد قال حدثنا ابن المبارك قال أخبرنا ابن لهيعة عن بكر بن سوادة عن أبي أمية الجمحي أن رسول الله قال: إن من أشراط الساعة ثلاثًا: إحداهن أن يلتمس العلم عند الأصاغر. قال نعيم: قيل لابن المبارك من الأصاغر؟ قال: الذين يقولون برأيهم، فأما صغير يروي عن كبير فليس بصغير اه

فالقصد بالأصاغر صغر العلم والعمل أي الاتباع ..

لذلك كان وصف المجدد في الناس هو العالم الذي يحيي ما اندرس من الأمر العتيق لا من يأتي بالجديد المحدث .. ومن لم يضبط هذا زعم في إمامه المحبوب أنه مجدد، فيزيد الأمة فرقة واختلافا على ما فيها والله المستعان.

إذا فهمنا هذا عرفنا وجه من قال في اختلاف الصحابة أنه رحمة من الله، أي عفو منه سبحانه، فما عفا عنه إلا رحمة بالعباد، إذ أمر باتباعهم وعلم أنهم سيختلفون فعفا عنه رحمة. لكن لا أن الخلاف محبوب مقصود للشرع كائن في السنة! وقد عرفت أن العفو غير مقصود للشرع ولا ينبغي قصده من العبد اختيارا، فتأمل.

<<  <   >  >>