للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شيء فيه، وهو عمل خير!! ولم يرها الأكابر إلا بدعا منكرة. فكلها تورث اليقين بأن مسمى "البدعة الحسنة" عندهم منكر، وليست من أصولهم.

وهذا مالك بن أنس الذي اشترط على نفسه اتباع عمل أهل المدينة قبله في الفقه والمنهاج، وعُرف بذلك، حتى كان يعيب على من خالفهم في الفُتيا لم يكن يَقبل تعبدا ليس عليه العمل، محتجا بالترك، لا يرى الاحتجاج بالعمومات دونه، يفرق بين الحديث المروي والسنة المتبعة. هذا أصله الذي ورثه عن التابعين عن الخلفاء الراشدين.

ولقد تركت من الآثار الضعيفة ما لو أودعته هنا، وقد نهينا عن التكاثر. وأكثرها شاهد للأصل المطرد عندهم. لكن النكتة في هذا المقام أن كثيرا مما فيه ضعف خفيف من الآثار مما يرويه مثل ليث بن أبي سليم أو شريك القاضي أو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى أو ابن لهيعة وأضرابهم لا يخلو إما أنه محفوظ، وذلك كاف في المطلوب، لكن لا بد من متابع. أو أنه وهِم في السند أو في المتن، فإن المقصود من الأثر حاصل هنا، وهو أن تعبدا مستحسن جنسه عند المخالف مذموم على لسان أحد من السلف، ولا يضر بعد ذلك عدم الجزم بصاحب القول أو العمل المروي .. وقد عرفتَ أن شرط هذا السفر تتبُّعُ منهجهم في الحكم لا آحاد الأحكام، فنستأنس بنحوها شواهد للأصل لا أدلة، خصوصا في رواية من كان فقيها كشريك وابن أبي ليلى فالفقيه قلما يهم في معنى ما روى (١). وليس هذا تصحيحا لضعيف .. فبين المقامين بون شاسع. وإنما الغرض أن أكثر الضعيف شاهد للأصل أيضا وفي الصحيح غنية، ولست أتكاثر بالضعيف.

ولو كان الابتداع أصلا مطلوبا لحض عليه الناصح الأمين ولتعاهده أصحابُه، ولتواصى به السابقون الأولون، ولتحراه التابعون! إذ كانوا أحرص الخلق على أن يكونوا للمتقين إماما ..


(١) - مثاله ما روى ابن أبي شيبة [٥٤١٤] حدثنا شريك عن عبيد الله بن يزيد عن إبراهيم قال: القنوت في الجمعة بدعة اه

<<  <   >  >>