للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالزيادة والنقص وهذا واقع مع كل بدعة. وهل البدعة المستحسنة إلا ما زاد أصحابها قيدا أو هيئة .. !؟ فلا يصح استثناء شيء إذاً، والاستحسان غير جار على المقاصد.

- الخامس والثلاثون: أنهم لم يختلفوا في أن ما احتج به مَنْ اتفقوا على إنكار بدعته شبهات لا حجة فيها، وإن ظنها ظاهرا محكما. فلزم من اتفاقهم أن المطلق وحده لا يكفي في إثبات عبادة، ولازم المذهب لازم. وذلك أن كل بدعة لا بد لصاحبها من شبهة دليل (١). وبالتتبع ترى أن ما استدلوا به لفظه ظاهر في الظاهر، لكن مع جمع النصوص تنصرف دلالته إلى خصوص أو تقييد أو نحو ذلك. فلا يحتج من الظواهر إلا بما رجح في الأدلة وكان عليه العمل الأول. إذ ليس المتشابه ما احتمل بذاته فحسب، ولكن ما يعدل عن ظاهره لأرجح منه أيضا على لسان الأصوليين. فتضمن هذا أن حديث «كل بدعة ضلالة» أصل محكم، وما عارضه مما يظن دليلا على استحسان البدع متشابه.

- السادس والثلاثون: أن استدلال المستحسِن بالعموم يعني أن الأمر المبتدع مقصود للشرع أراده الله وعَلِمه النبي ، وهذه عظيمة! إذ كيف يقصده ثم لا يفعله ساعة من دهره، أو يأمر به أحدا من أصحابه، أو يبين ثوابه ليحض الناس عليه؟ وقد جاء بالبلاغ المبين وهو الغاية في الايضاح. قال تعالى (بلغ ما أنزل إليك) [المائدة ٦٩] وقال سبحانه (لتبين للناس ما نزل إليهم) [النحل ٤٤] والموصول "ما " يفيد العموم، فيتناول كل ما نُزِّل ومنه ما نحن فيه لو كان مشروعا، كذلك قوله : ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد من النَّار إِلا وَقَدْ بُيِّنَ لَكم اه والبيان يعني أن يُظْهَر في الوجود ليَبِين للناس كما عرفت في البيان بالعمل. وقد علم أن المستحب للأمة واجب على النبي لوجوب البيان، فكيف ينسب النبي إلى التقصير في البلاغ؟!! وكيف يَترك اللطيف الخبير سبحانه نبيَّه وخيرَ الأمة بعده ينصرم قرنهم دون فعل قربة يحبها ويثيب عليها، مع قيام الداعي إلى فعلها وهو حب الزيادة في


(١) - انظر ما أورده القرافي في «الأجوبة الفاخرة على الأسئلة الفاجرة» من شبهات استدل بها أهل الكتاب على تصحيح نحلتهم.

<<  <   >  >>