للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الطاعة!؟ وهل هذا إلا نسبة الصحابة إلى التقصير ومخالفة القول العمل إذ يروون آية أو حديثا فيه الأمر بطاعة لا يفعلونها وهم يقرؤون قول الله تعالى (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب) [البقرة ٤٣]؟ وقد أخبر النبي أن من أصحابه من يُدْعى يوم القيامة من أبواب الجنة كلها لإحصائه أبوابَ الخير عملا [خ ١٧٩٨]. كما أمر الله المؤمنين بالدخول في السَلم كافة - على قراءة الفتح - وهو الإسلام بكافة شرائعه. لذلك كان يقرأ عليهم القرآن على مكث ليتعلموه حرفا حرفا ويعملوا به. فقد تقدم قول أبي عبد الرحمن السلمي: إنا أخذنا هذا القرآن عن قوم أخبرونا أنهم كانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يجاوزوهن إلى العشر الأخر حتى يعلموا ما فيهن، فكنا نتعلم القرآن والعمل به اه وقال ابن سعد [٥١٨٨] أخبرنا عبد الله بن جعفر قال حدثنا أبو المليح عن ميمون أن ابن عمر تعلم سورة البقرة في أربع سنين [صحيح].

فمن عرف سيرتهم لم يخطر في ذهنه أن ينسبهم إلى تقصير في فهم أو عمل. ومن تجنب هذا التقدير بقوله: لم يتسع وقتهم لانشغالهم بطاعات أُخَر كالجهاد! وقع في أشد منه إذ نسب القدوس السلام سبحانه إلى تكليفهم ما ليس في وسعهم، فطلب منهم عملا فوق ما يتسع له جهدهم، إلى ما لا يُقْدر عليه من اللوازم المنكرة .. ! مما تنزه عنه شريعةُ الحكيم الرحيم السمحةُ.

وقد جمع الله لنبيه زمن الوحي أسباب التشريع قدرا ليسن لأمته، كما قدَّر خسف الشمس ليسن للناس سنته، وقدر سبب الاستسقاء ليسن، وقدر وقوع السهو في صلاة النبي ليسن، وقدر اجتماع العيد والجمعة ليسن، وقدر حيض عائشة ونفاس أسماء في الإحرام وحيض صفية بعد الإفاضة ليسن .. فكان المقتضي لكل عبادة مقصودة قائما زمنه، فحصلت الكفاية وتم البيان. ثم حذر أمته من الحوادث بعد. فما لم يجر عليه العمل غير مقصود للشرع من خطاب عام أو مطلق وكل بدعة ضلالة مطلقا.

- السابع والثلاثون: أن الشرع نهى عن صور من التعبد التي يَستحسن جنسَها القائلون بالبدعة الحسنة، كقراءة القرآن في الركوع والسجود وتخصيص ليلة الجمعة بقيام ويومها بصيام .. ولولا النهي الخاص لاستحسنوها وإن لم يكن عليها العمل.

<<  <   >  >>