فكما عدلوا عن الاستحسان وعن قولِهم:" لا شيء فيه " لأجل النهي الخاص موافِقِ العام، فليعدلوا عن جنسه للنهي العام والقاعدة المحكمة التي هي من جوامع الكلم. وما يُظَن من المصلحة في ذلك العمل الخاص أهدره الدليل الخاص، وتوقَفَ النظرُ عن التخرص لمعرفة السر في ذلك. فما يقال في الجزء المنصوص عليه يقال في الكل المؤصل له. أي كما لم نعرف وجه النهي الخاص وقابلناه بالتسليم فكذلك الأمر في العامّ. عصمنا الله بِمَنِّه من الهوى و الحُجُب. وهذا الوجه واللهِ كافٍ للمخلصين.
- الثامن والثلاثون: أن النبي ﷺ أخبر أن الدين لا يزال والسنةَ في نقصان مع الزمان، وأن البدع لا تزال تكثر، وحذر من ذلك. والناظر يرى أن البدع التي تزداد مع الزمان هي التي يدعي أهلها أنها بدع حسنة! فإنما أنذر ﷺ استشراء البدع التي يقال لها " بدع حسنة " وحذر منها.
- التاسع والثلاثون: أن العمل المحدث الذي لم يعمله النبي ﷺ لا يخلو إما أنه لم يعلمه، أو أنه علمه ثم تركه. والأول باطل باتفاق، فلم يبق إلا أنه تركه على علم. ولا يخلو بعدُ إما أنه تركه وهو يعلم أنه يقرب إلى الله، أو أنه لا يقرب. ولا يجوز الاحتمال الأول إذ ما ترك النبي ﷺ شيئا يقرب إلى الله إلا وقد أعلمنا به وعمل به أصحابه رضوان الله عليهم. فلم يبق إلا أنه عمل لا خير فيه، ولا يقرب إلى الله ﷿، وحسبك به ضلالا .. !!
فإن قيل: من أين لكم أنه لم يعمله ولا أصحابه؟ قلنا: أوجدونا أنتم أنه عُمل به نَقُلْ به، فإن السؤال لكم لازم، إذ العلم قبل القول والعمل. وليس الشأن في أنه لم يفعل كل ما يُظَن قربة، ولكن الشأن في كون ما لم يفعله ولا أصحابه مشروعا مقصودا!
- الأربعون: أن الحظر أقوى من الإذن كما قالوا، ذلك أن الفرع المختلف فيه إذا تردد بين القبول والرد - على فرض الإمكان - كان الرد أرجح، ودفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة عند استوائهما كما قالوا، فكيف والبدع محرمة بأشد صيغ التحريم. وغاية ما اختلفنا فيه أنه مستحب، والمندوب لا يقدم على المحظور. فيترجح جانب المنع، فلا بدعة حسنة.