للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جمهور الشريعة؟!

ومن تدبر القرآن وجد الكلام عن البدعة والتحذير منها وعيب منتحليها متواترا. فحيث ذكر الافتراء على الله في مثل قول الله (إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين) [الأعراف ١٥٢] هو كلام عن البدعة المحدثة لأنه أمر يضاف إلى دين الله وليس منه. والآيات المحذرة من القول على الله بغير علم كقول الله (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) [الأعراف ٣٣] وذكر الكذب عليه، وابتغاء سبيل الله عوجا، والذين يشترون الضلالة بالهدى، وما اتخذوا في دينهم من العِجل واللهو واللعب والسوائب والسحر وأنهم اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا .. وأنهم فرقوا دينهم، وذكر السبل والأهواء، وما نهوا عنه من الغلو كقول الله (لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق) [النساء ١٧١] وما ذكر من تحريم ما أحل الله، أو تحليل ما حرم الله، ونظائر هذا المعنى هو حديث عن البدعة عينها. وإنما الشرك الذي جاء النبي لرده بدعة حدثت بعد الأنبياء، فجاء بتصحيح الأعمال وتصحيح النيات، وكلاهما آفته الانحراف عن اتباع السنن وركوب البدع. فكانت معرفة البدعة من تمام معرفة حدود ما أنزل الله على رسوله، بل من أول ما يتقى ويحاذر، لذلك ذكره الله في أم القرآن. فهو سنة في الأولين والآخرين وأصل من أصول الدين، تتابعت عليه الأنبياء في الغابرين، واتبعتهم ورثتهم في الآخرين، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، وما بدلوا تبديلا .. وهو مما أخذ عدو الله على نفسه أول الأمر (لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا) [النساء ١١٨/ ١٢٠] فأضل بنحو ذلك جِبِلاًّ كثيرا.

فحقيق على من أحب ربه، وعظم أمره أن يجعل هذا من أكبر شُغُله، ولا يكون من الذين جعلوا الدنيا أعظم شيء في أنفسهم، يغضبون للدماء والأموال والأوطان ..

<<  <   >  >>