للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذه السورة الجليلة اشتملت على أمور الدين جملة لأنها أم القرآن. وما سواها من السور والأحاديث تفصيل لذلك إن شاء الله. فدلت على أمهات الجوامع بالمطابقة والتضمن، ثم اندرج باقي الأمور بالالتزام. ومعلوم أن ما دل عليه اللفظ بالمطابقة والتضمن آكد مما دل عليه باللزوم. والسورة مكية، وقد عُلم أن السور المكية نزلت بالقواعد الأهم ثم جاءت المدنية مكملة لها (١).

فالصراط المستقيم دل على السنة بالمطابقة، وهو الطريق المسلوكة، فالصراط والسراط في اللغة هو الطريق المطروقة، وإذا أضيفت إلى قوم كانت طريقهم التي سلكوها ومروا بها. فما لم يكن من العمل في السنة فليس من صراط النبي وأصحابه، وإنما صراطهم وطريقهم ما طرقته أقدامهم وكان من عملهم، كما عرفت في بيان معنى السنة.

والضالون هم النصارى وكل الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، ومنهم أهل البدع، فإن كل بدعة ضلالة، وما اليهودية والنصرانية إلا بدع في دين أنبيائهم. فلفظ (الضالين) عام في كل ضال من أهل القبلة ومن غيرهم لأن لام الاستغراق من صيغ العموم. وقد بين لنا النبي أن هذه الأمة ستأخذ مأخذ القرون قبلها، فما كان في أهل الكتاب يكون في هذه الأمة، فالضالون المشركون والمبتدعة. واللفظ "الضالين" مطلق في كل ضلالة لأن اسم الفاعل مثل الفعل في الدلالة على الإطلاق. فأفادت الآية الحذر من البدعة بالتضمن، إذ تشتمل على التحذير من الشرك والبدعة. ويصح أن يقال: أنها دلالة بالمطابقة لأن الشرك بدعة، إذ البدعة إما مكفرة أو مفسقة. فأنت ترى أنها تدل على الحذر من جملة البدع بصريح المنطوق (المطابقة أو التضمن) لا بالالتزام وهو المنطوق غير الصريح.

وقوله (اهدنا) طلب للهدى، والهدى والهدي هو العمل. قال ابن فارس في المقاييس [هـ د ى] أنه بمعنى "التقدم للإرشاد .. هديته الطريق هداية أي تقدمته لأرشده، وكل متقدم لذلك هاد " الخ فالهدى شرعا ما تقدمَنا من عمل النبي وأصحابه. فلا يكون العبد على هدى حتى يتبع العمل .. وهو وصية النبي " فعليكم


(١) - الموافقات المسألة الثامنة من أحكام الأدلة العامة.

<<  <   >  >>