الذي ينبغي أن تصرف له كل عبادة في كل حين .. إذ قوله (نعبد) مطلق في كل عبادة ظاهرة أو باطنة لأنه فعل والفعل يفيد الإطلاق، وعام في كل وقت بحذف المتعلق وحذف المتعلق من مسالك العموم. كذلك (نستعين) في كل الأمور عند اتخاذ الأسباب أو عند تعذرها، إذ لا حول ولا قوة إلا بالله في كل شيء وعلى كل حال .. وأمرنا سبحانه أن نسأله الهداية التامة المطلقة التي تشمل هداية التوفيق وهداية البيان. والصراط المستقيم اتباع النبي ﷺ في كل هديه فعله وتركه وقصده من غير استثناء شيء، إذ الاستثناء في الدعاء إعراض .. كذلك الأمر في الضلالة عموم يستغرق كل ما ليس من الصراط. فميزت الآية الطريق المسلوكة وهي العمل العتيق، وما سواه ضلالة مطلقا. فكل عمل لم يطرقه أحد منهم فهو من الضلالة من غير استثناء.
فبان لك أن هذه السورة محكمة العموم وأنها أم القرآن وقواعد كلية. فهي من أقوى الأدلة على ألا بدعة حسنة. ومعنى كونها جوامع - أو "كليات" - أنها ليست مما يتغير على حسب الزمان والأعراف .. وأنها أول ما ينبغي أن يدعى الناس إليه ويربى عليه، وبالله التوفيق.
فتأمل كيف فرض الله علينا ما ينفعنا، وكرره علينا لأهميته، تزدد محبة لربك، ويقينا بأن ذم البدع والتحذير منها من آكد الأمور وأصل من الأصول، وأن التحذير والحذر منها من اتباع الصراط المستقيم. وأن ذلك كله من تمام الحمد لله رب العالمين الذي هو الثناء عليه بصفات الكمال والجلال. فله الحمد أن بين لنا الصراط المستقيم، وحذرنا من طريق المغضوب عليهم والضالين، وأن لم يحوجنا إلى الابتداع والمغامرة بالنفس والدين. فالحمد في أول السورة كالقاعدة التي يرجع إليها كل ما بعدها في السورة والقرآن كله، فله الحمد على ربوبيته ومن ربوبيته أن ربى الخلق برسله الذين أنعم عليهم. وله الحمد على رحمته وملكه وشريعته وتيسيره وجزائه وهدايته وإضلاله .. فله في ذلك كله من الحكم الشريفة والمقاصد العظيمة ما ليس يعلمها إلا هو سبحانه. وهو العليم بما في الاتباع من المصالح وما في الابتداع من المفاسد. فاستحسان البدع مناف لحمد العبد لله رب العالمين، أو منتقص من اعتقاد كماله بحسبه. والله المستعان على القيام بشكره.