للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

(١) "فالقسمُ الأول من المحبّة المفترَضَة يطلعُ من مطالع الإلهية، والثاني منها يطلعُ من مطالع الربوبية، فالإله هو المعبود والمألوه، الذي تعرّف إلى عباده فأَلِهَتْه القلوب وعبَدَتْه، والربُّ الذي يربّي (٢) العالمين ويقومُ بهم ويَغْذُوهم بنِعَمِه وآلائه، ويتعرّفُ إليهم بأصناف نِعَمِه في ظواهرهم وبواطنهم، فمن عرف ربَّه بالقسم الأول فأطاعه وأناب إليه وأَحَبَّه، ثم عرف ربَّه بالقسم الثاني فشكرَه وأَحَبَّه واعترف له بنِعَمِه، تمّت المحبّةُ الواجبةُ في حقّه، وكَمُلَ له نوعُها بحسبه.

والأسبابُ المسهِّلةُ لطريق هذا القسم من محبّة الآلاء والنَّعْماء: التفكّرُ في مبادئ النِّعْمَة وأصولها، وسَرَيانُ النظرِ والاعتبارِ في الصُّنْعِ والصَّنْعةِ والصانع، ومَن صفا سرُّه وسَرَتْ أفكارُه في مبادئ الحكمة وتراتيبها وأصول النِّعَم ومبادئها، وقع في بحر زاخرٍ تياره بعيد قراره، فسَرَى في علم أفعال الله بعد سَرَيانِه في علم أوامر الله، فصار عارفًا مُحِبًّا في طريق الأوامر، وعارفًا مُحِبًّا في طريق الأفعال، قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأعراف: ١٨٥]، وقال: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ﴾ [الشورى: ٢٩]، وقال: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ [فصلت: ٥٣]، وتعديد نعمه علينا في السورتين المتتابعتين الطامّة والصاخّة قوله: ﴿أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (٢٧)﴾ إلى قوله: ﴿مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (٣٣)[النازعات]، وقوله: ﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (٢٤)﴾ إلى قوله: ﴿مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (٣٣)[النازعات].

النوع الثاني: الحُبُّ المؤكَّدُ الذي به يظهر سلطانُ الإيمان ويعلو في القلب شُعاعُه وترسخُ قواعدُه وآثارُه، وهي مَحَبّةُ الصفات المستلزمةِ لمحبّة


(١) فقرة أخرى من كلام ابن شيخ الحزاميين.
(٢) كتبها المصنف: (يرب).