للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الذات، فمُحِبُّ الصفات هو مُحِبُّ الذات لكن بواسطة الصفة، وفي الذات تستقرُّ المحبّةُ وإليها ترجعُ، والسببُ الموجبُ لها سطوعُ أنوارها في القلب وقوّةُ إشراقها على الروح والسرّ، بمثابة شُعاع الشمس إذا أبهرَ البصرَ ووصلت حرارتُه إليه، وذلك في القلب المُصَفَّى من كَدَر الذنوب الشاربِ من كأسها بيد المحبوب.

ولهذه المحبّة الخاصّة أسبابٌ تُسَهِّلُ طُرُقَها، منها: تحقيقُ العلوم والأعمال، وصِحّةُ العقائد في الأسماء والصفات خصوصًا، وفي غير ذلك من العقائد عمومًا، فإنّ العقائد أصولُ المشاهد، والمشاهد أصولُ المقاعد، فمَن صحّ اعتقادُه صحّ مشهدُه، ومَن صحّ مشهدُه كان في مقام الصدق مقعدُه، ومَن فسد مُعتقدُه فسد مشهدُه وانحطّ إلى الدركات مقعدُه، أولها: صفةُ العلوّ والفوقيّة، فلْيُؤمنْ بها ويُثْبِتْها لله على الحقيقة اللائقة به، فمَنْ صحّ بهذه الصفة إيمانُه توجّه بقلبه إلى ربِّه في صلواته وعبادته، وصار لقلبه قِبْلةً بعد أن كان ضائعًا لا يعرفُ وِجْهَتَه، هذا أصلُ المعرفة الخاصّة والمحبّةِ الخاصّة، وما جَهِل ذلك امرؤٌ وأَعْرَض عنه إلا لِقُصُورٍ في علمه أو لِقُصُورٍ في صحّة قصدِه وقِلّة نفوذه.

واعلمْ أن آثارَ الصفات المقدَّسَة متنوِّعةٌ، كلٌّ يَلوحُ بقلبه على قدر ما كُشف له من حجابِها.

فأولُ الصفات تبدو لقلوب العارفين صفةُ العلوّ، يتعرّفُ سبحانه إلى قلوبهم بها، فإذا لاحتْ تضاءل العبدُ خاضعًا نازلًا إلى التُّخوم تواضعًا للعليّ بذاته وصفاته فوق الممالك للحيّ القيوم.

ومنهم مَن تُنازلُه صفةُ الكلام، وهم أهلُ العلم بآياته والخشيةِ له والفهمِ عنه، وللكلام سرابٌ من المحبّة عجيب، فهو سيّدُ المعارف ومفتاحُها بعد صفة العلوّ؛ لأنّ صفةَ العلوّ اقتضت الإثباتَ وتوجّهت القلوبُ إليه وأَصْغتْ