للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

بأسماعها إليه، فسمعت بعد ذلك كلامَه وفهمتْ عنه، فلاح لهم فيه تجلّياتُ الجمال والجلال والعظمة والكمال، ظهر الموصوفُ لقلوبهم من الكلام، تارةً بوَعْده وتارةً بوعيده، وتارةً بقَهْره وتارةً بلُطْفِه، وتارةً برحمته وتارةً بتهديده وشدّة بَطْشه، فدارت عليهم الكاسات، وتنوّعت لديهم الأشربةُ الموجبةُ للحُبِّ والتعظيم لاختلاف الصفات، فكلُّ صفةٍ اقتضت ذَوْقًا، وكل ذَوْقٍ اقتضى حُبًّا.

وتجلّياتُ الصفات في القرآن لا يُحاطُ بها، وكلٌّ يلوحُ على قدر فهمه منه.

ومَن خَتَمت الشهواتُ على قلبه لا يتجاوز صورةَ الكلام إلى معناه، ولا تخرق من رسمه إلى غايته ومنتهاه، ﴿وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (٤٢)[النجم]، وغاية ما يؤول إليه أمرُه أن يُسري أفكاره في علةِ المرفوع وعاملِ المنصوب، والإعجازِ في الفصاحة والبيان كما هو غاية مسمى إقدام من حول الرسوم، ولم يَطْعَمْ كيفيةَ الفهوم، إنما الفهمُ عن الله في القرآن والعلمُ به أدنى مرتبة أحوال القوم فيه أن تَغِيب قلوبُهم في المعاني وتَتَعدّى بها كما تتعدّى نفوسُ أهل الوسوسة بالوسواس، فتصيرُ المعاني عِوَضًا عن حديث النفس، تنوبُ في القلب عن جميع الوسواس، وتبقى الروحُ مجرّدةً تُنازلها أحوالُ العظمة والكبرياء والجلال والجمال والبهاء.

ومنهم من تُنازلُه صفةُ العلم الملازمةُ لصفة الحياة، وإن كانت جميع الصفات تلزمُ منها صفةُ الحياة لكن قد لا يشعر القلبُ بها، وهذه صفةٌ عظيمة إذا ذاقت القلوب شرابَها استولى عليها الحياءُ والشعورُ بعلمه سبحانه، قال تعالى: ﴿يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ [البقرة: ٧٧]، وقال: ﴿وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (١٣)[الملك]، فإذا استولى على القلوب الحياءُ من الشعور بعلم الله الواسع المحيط خَشَع القلبُ لذلك وتضاءَل وخَنَسَ الوسواسُ، كما قال تعالى: ﴿وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا