للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا﴾ [طه: ١٠٨]، هذا بحكم ما ظهر للعيان خشعت الأصوات، فلذلك القلوبُ إذا عاينت أمرًا عظيمًا من الغيب خشعتْ له بأفكارها ووسواسها، فلا تسمعُ في القلوب والأفئدة إلا همسا، خشعت للصفة المحيطة بالمخلوقات، وصمتت عن كل فكرةٍ غير مرضيّةٍ وتباعدت عنها، كلٌّ همُّه دينُه لاستيلاء صفة العلم على الأسرار، ثم تربطه هذه الصفة المقدَّسة بروح المحبّة والأنس، فتغيب عن أثر الصفة بمحبّة الموصوف.

ومنهم من تُنازله صفتا السمع والبصر، فحالهما يقرِّب من صفة العلم، لكن لكل صفة خصوصية على الاستقلال إذا انفردت وظهر الموصوف إلى العارف منها، ثم تحد به الصفات إلى الموصوف فتغيبُ به عن أثر الصفة.

ومنهم من تُنازله صفة الإرادة، فتمحي عنه كلَّ إرادةٍ غير مشروعة، ويبقى حين ملاحظة هذه الصفة عبدًا لله تاركًا للاختيار لما بدت له إرادةُ بارئه لتكوين الأشياء وتصريفها على مقتضى مشيئته، بقدرته النافذة، على سنن حكمته المتقنة، محا ذلك عن العبد رعونات بشريته، وغاب عن تدبيره بتدبير مولاه، وعن إرادته بإرادته، فلا يريد إلا ما أمره به شرعًا، لأنه مأمور بإرادته ذلك، فلا إرادة له إلا بالله، ويفنى منه عن ذلك، وتبقى فيه عند الفناء لطيفة علميّة يترتّب عليها الأمرُ والنهي، وخصوصيّة هذه الصفة رَوْح الاستسلام وطيب القلب ما أرضى بالحذور لم تخدمه إلى محبّة الموصوف، فربما شغله ذلك عن آثار الصفة في حالة الخدمة، فإذا أفاق رجع إلى مرتبته وعبوديته.

ومنهم من تُنازله صفة القيّوميّة، ويشهد القيّوم سبحانه قائمًا بكل شيء، ويرى الأشياء مواتًا لا تتحرّك بأنفسها دومًا وحالًا لا نظرًا وعلمًا، ففي الذائقين لهذا المشهد من يغلط فيغيب بالأحكام القدرية عن الأحكام الشرعية لظهور القيّوميّة فيها، ففيهم من ينحل إذا رأى الأشياء إنما قيامُها بالله، فيرى الأشياء المحرّمة والمباحة كلّها مرضيّة لأنها صدرت من عين واحدة، والمحقِّقون لعلوم الشريعة وأعمالها لا يغيبون بأحد الذوقين عن