للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الآخر، يشهدون أمر الله وهو ما شرعه صفةً قائمةً بالله، ويشهدون قيّوميّة الله وقدره الساري في الأكوان صفةً قائمةً بالله، فيجمعون بينهما ولا يغيبون بأحدهما عن الآخر؛ لأن من غاب بالأمر عن القدر إنما وقع في الشرك، وقد أدّب الله نبيَّه في قوله تعالى: ﴿فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (٣٥)[الأنعام]، وقال تعالى: ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٣) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (٤)[الشعراء]، ومن غاب بالقدر عن الأمر تزندق واستحسن القبيح، ومن جمع بين الأمر والقدر استقام توحيدُه وزكتْ أعمالُه، ولذلك تحد بهم هذه الصفة إلى الموصوف.

النوع الثالث: وهو المقصد الأقصى من المحبّة، وهذا نصيب الأفراد الصديقين أهل مشهد الفردانية وعظمة الوحدانية، سقوا شراب الديمومية، وأشرق عليهم الجلال الداني والجمال الأحدي، وهذا المشهد هو الجامع لجميع الأسماء والصفات، فهي محبّةٌ خاصّة لخصوص من أهل القرب وإفراد من رؤساء القوم، فهم يرتقون من حجب الأنوار والصفات المذكورة على حقائق الأشياء، فإن كل اسم أو صفة من الصفات الفعليّة أو الذاتيّة إذا ذاقها العارف وجد لها كمالًا خاصًّا، بحسب ما يذوقه ويبدو له، وأما الجلال الذاتي والجمال الأحدي ذوقه رتبة خاصّة للخصوص، فجميع ما ذُكر وإن كان من أعلى المقامات وأسناها فإنها بألسنته إلى هذا المشهد حجب نورانيّة، لأنها مشاهد قلبيّة، والقلوب لا تتجاوز الصفات، وأما هؤلاء فلا يمكن العبارة عن حقيقة أحوالهم إلا بتقريبٍ. القوم نصفوا أولًا بالتوبة، ثم بالطاعة والمحاسبة، فرَقَوْا من ذلك إلى ميدان الفكرة، فوصلوا إلى محبّة الآلاء والنعماء، ولاح لهم من تدبير الله ما هيّجَ إليه أشواقَهم، وحقّقوا في هذا المقام الشكرَ والرضا، ثم تَرَقَّوْا عنه بمعونة الله ومشيئته إلى أذواق الصفات فشربوا منها كؤوسًا هنيّة زكت بها أعمالُهم وصفت أسرارُهم، فاستعدّوا بذلك الصفاء والتزكية للقرب الخاص فاختطفوا من نفوسِهم