للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وقلوبِهم، لأنه نفوسَهم جمدت على قلوبِهم، وقلوبَهم اضمحلّت على أرواحهم، فصاروا روحانيّين، فحلّت عليهم صفة الروح بشهود الملائكة من بعض الوجوه لتجنّس كثيفهم السفلي بروحهم العلوي، فصار الحكم للروح والروحُ وَلّاجةٌ طَيّارةٌ تَلِجُ عالمَ الملكوت وتكافح بصريح الغيوب، فلما قصدوا إلى هذه الغاية طِير بأرواحهم إلى مقاعد الصدق ومواطن القرب، فهاموا بمحبّة الذات، وخُصُّوا بمشهد الفردانية، وهذا النوع من المحبّة هو محبّة السابقين المقرَّبين الذين جذبتهم العناية، وهذه الجذبة لا مدخل للكسب فيها لأنها اصطناع محض ومحبّة خاصّة، وهي التي فيها السكرات، وعنها يكون الصحو على لسان القوم، وفيها يكون كمال الكشف الروحي، وجميع ما ذُكر غيب يُشهد بالقلوب أولًا ثم بالأرواح ثانيا، فأما مشهد الحس بالعين الظاهرة فهو ممتنع في هذه الدار، وموطنه الجنة في دار القرار، وهذا أنهى ما يجده المحبون وينتهي إليه العارفون، ومن خواصّ المتحقِّقين بذلك الخروج من رقّ الحال للتمكّن فيه، فيصير أحدُهم بربه لا بحاله، بخلاف أهل الصفات فإنهم مقتدون بأحوالهم، تتصرّف فيهم ولا يتصرّفون فيها، وهؤلاء تصرّفوا في أحوالهم تفرّقوا في العلوم والأعمال، وهم مجموعون بربهم، وهم أهل بسط وتمكّن، والأولون أهل قبض وجمعيّة وهذه رقيقة من حال النبوّة، فإنهم كانوا يباشرون الأعمال الشاقّة المفرّقة وهم مجموعون بربهم، ويؤثرون الأشياء والنفوس يغلبونها ولا تغلبهم، فهؤلاء سادات أهل الخصوص خُصُّوا بأعلى مقامات المحبّة" (١).

٢١٠٥ - قال بِشْر بن السَّرِيّ: "ليس من أعلام الحُبّ أن تُحِبَّ ما يُبغِضُ حبيبَك"، رواه ابن عَدِيْ (٢).


(١) هنا نهاية كلام ابن شيخ الحزاميين.
(٢) الكامل في الضعفاء (٢/ ١٧).