محمد بن علقمة، عن الحجّاج الصوّاف، عن أبي البَخْتَري، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس قال:
"إنّ أول ما خلق الله ﵎ القلم، ثم خلق النون -وهي: الدواة-، ثم خلق اللوح، ثم قال للقلم: اكتُبْ، قال: وما أكتُبُ يا ربّ؟ قال: أكتُبْ القدرَ، وخَلْقَ الدنيا، وما يكون في الدنيا من خَلْق مخلوق، أو عمل معمول، من برّ أو فجور، أو رزق حلال أو حرام، أو رطب أو يابس، ثم ألزَمَ كلَّ شيءٍ من ذلك شأنَه دخوله فيه، وما بقاؤه، وما فناؤه، حتى تفنى الدنيا، ثم جعل لذلك الكتاب ملائكةً، وجعل للخلق ملائكةً، فتنطلقُ ملائكةُ الخلق إلى ملائكة الكتاب، فيُلقون إليهم النُّسَخ بما هو كائن في الليل والنهار بما وُكِّلوا به -أو قال: ممّا وُكِّلوا به-، فتهبط ملائكةُ الخلق إلى الخلق، فيحفظونهم بأمر الله، ويُشَوِّقونهم إلى ما في أيديهم من تلك النسخ، فإذا فنيتْ تلك النسخ، لم يكنْ لهذا الخلق بقاءٌ ولا مُقامٌ، وذلك قول الله: ﴿إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الجَاثيَة: ٢٩] "، فقال رجلٌ لابن عبّاس: والله ما كنّا نرى ذلك إلّا نسخَ أعمالنا، فقال ابن عبّاس:
"ألا تستحيون؟ ألستُمْ قومًا عربًا؟ وهل كانت النسخ إلّا من كتاب مكتوب، فوَالله إنّ الملك ليُبعث، فتُدفع إليه صحيفتان إحداهما مخبوءة والأخرى منشورة، فيُقال له: اكتُبْ في هذه، ولا تفتحْ المخبوءة ولا تكسرْ لها خاتمًا، فإذا صعد فُكّ الخاتم، ثم عارض، فلا يُغادر صغيرةً ولا كبيرةً، وذلك قول الله ﷿: ﴿وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٥٩)﴾ [الأنعَام] وقال: حدثنا نعيم بن حمّاد، ثنا المُعْتَمِر، عن أبي مخزوم، عن أبي اليقظان، عن الحارث بن قيس، عن عليّ قال: