عن برقلس أن أول من قال بهذا القول هو أرسطاطاليس، إذا عرفت هذا فنقول: إنّ هؤلاء زعموا أن السموات قديمة بذواتها وصفاتها المعينة، أعني: الشكل والمقدار وغير ذلك، سوى الحركات والأوضاع فإنها حادثة، إذ كل حركة وكل وضع فهو مسبوق بحركة أخرى ووضع آخر، إلى ما لا نهاية له، فالحركة قديمة بنوعها حادثة بشخصها، وكذلك الوضع قديم بنوعه حادث بشخصه، وقد عرفت معنى الوضع فيما قبل، وأما العناصر، فالهيولى منها قديمة بشخصها، والجسمية - أي الصورة الجسمية منها - قديمة بنوعها.
قال (١): وأما القسم الثالث، وهو أنّ كون الجسم قديم الذات محدث الصفات فهو قول الفلاسفة الذين كانوا قبل أرسطاطاليس بالزمان، كثاليس، وإيكسماغورس، وفيتاغورس، وسقراط، وقول جميع الثنوية، كالمانوية، والديصانية، والمرتيونية، والماهانية، والحرنانية، وهم الذين قالوا بالقدماء الخمسة، ثم اختلف هؤلاء في الأصل الذي حدث هذا العالم، من السموات والكواكب والعناصر على الوجه الذي الآن عليه، فصاروا لذلك فرقتين: الفرقة الأولى: الذين زعموا أن ذلك الأصل والمادة هو الجسم، والفرقة الثانية: الذين قالوا ذلك الأصل ليس بجسم ولا جسماني، أما الفرقة الأولى فقد اختلفوا في ذلك الجسم هو الأصل، فزعم مالِيس أنّه قابلٌ لكل الصور، وزعم أنه إذا انجمد صار أرضًا، وإذا لطف صار هواءً، ومن صفوة الهواء تكوّنت النار، ومن الدخان الذي خالط ذلك الهواء تكونت السموات، ويقال إنه أخذ ذلك من التوراة لأنه جاء في السفر الأول منه: إن الله خلق جوهر النظر إليه نظر الهيبة فدانت أجزاؤه فصارت ماء، ثم ارتفع منه بخار كالدخان فخلق منه السموات، وظهر على وجه الماء زبد فخلق منه الأرض، ثم أرساها بالجبال فقال تعالى في القرآن ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ﴾ [فصلت: ١١] أي قصد السماء بها تركيب أجزائها ويشكلها