قلت: إنما أكتب مثل هذا الكلام؛ لمعرفة آراء الناس ومذاهبهم، والعلم ما قام عليه الدليل، والنافع منه ما جاء به الرسول. قال أبو حيّان: وحكى لنا أبو زكريا الصيمري قال: قرأت على سمكة القمّي، قال: قرأت على ابن محارب، قال: قرأت على الكندي قوله عن أرسطاطاليس، ووصفه أمر الملك اليوناني الذي فولج فمكث لا يعيش ولا يموت أيامًا كثيرة، كلما أعاق أعلم الناس أشياء من علم الغيب، وحدّثهم بما رأى من الأنفس والصور والملائكة، وأعطاهم في ذلك العلامات، وأخبر جماعة من أهل بيته بعمر واحد واحد منهم، فلما امتحن ذلك كان كما قال، ولم يتجاوز أحد منهم المقدار الذي حذّه له من العمر، وأخبر أن خسفًا يكون في بلاد كذا وكذا بعد سنة، وسيل يكون في مواضع أخر بعد سنين، فكان الأمر كما قال.
وقال الكندي: وذكر أرسطاطاليس أن السبيل في ذلك أن نفسه إنما علمت ذلك العلم؛ لأنها كادت تفارق بدنه، فكيف لو فارقت البدن على الحقيقة، لكانت قد رأت عجائب من أمر الملكوت الأعلى.
بعض الناس ذهب إلى أن الكواكب كلها غير نيِّرة، وزعم أن النور المعارض لها احتماء الهواء والتهابه بحركتها، فلذلك ترى ملتهبة مضيئة، وإنما ذلك التهاب النار الموهم؛ إذ كان دونها أن النور لها.
وقال قوم آخرون: إن الشمس وحدها مضيئة نيِّرة في نفسها، وإن سائر الكواكب ليس كذلك وإنما يُعرض لها النور بإلقاء الشمس الشعاع عليها، كما تُعرض الأشياء عندنا.
وقال بعضهم: بل الكواكب كلها إلا القمر مضيئة بأنفسها، فأما القمر فمخالف لها، واستدلوا على ذلك بما يُعرض له من إهلاله وتدويره، وقالوا إنه وحده يقبل الضوء من الشمس، وبحسب موضعه منها يكون قبوله للضوء