للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

باعتبار الكمية, وأخرى باعتبار الكيفية, وعلى الأول قيل: يا رحمن الدنيا, لأنه يعم المؤمن والكافر, ورحيم الآخرة, لأنه يخص المؤمن, وعلى الثاني قيل: يا رحمن الدنيا والآخرة, ويا رحيم الدنيا, لأن النعم الأخروية بأسرها تامة عظيمة, والنعم الدنيوية تنقسم إلى جليل وحقير, وتام وغير تام, وكأن معنى الرحمن: المنعم الحقيقي, تام الرحمة, عميم الإحسان, ولذلك لا يطلق على غيره تعالى, فإن غيره إنما يفعل ما يفعل لغرض نفسه, فيستعيض بإنعامه جزيل ثواب, أو جميل ثناء, أو يزيل به رقة الجنسية, أو حب المال عن القلب إلى غير ذلك من الأغراض.

ثم إنه كالواسطة فيه, فإن ذات النعمة ووجودها, والقدرة على إيصالها, والداعية الباعثة عليه, والتمكن من الانتفاع بها, إلى سائر ما يتوقف عليه الانتفاع ويتم به من خلقه تعالى = لا يقدر عليها أحد غيره.

وحظ العارف من هذين الاسمين أن يتوجه بشراره إلى جناب قدسه, فيتوكل عليه, ويلتجئ فيما يعن له إليه, ويشغل سره بذكره, والاستمداد به عن غيره, لما فهم منهما أنه المنعم الحقيقي, المولي للنعم كلها, عاجلها وآجلها, ويرحم عباد الله, فيعاون المظلوم, ويصرف الظالم, ويدفع عنه ظلمه بالطريق الأحسن, والوجه الأجمل, وينبه الغافل, وينظر إلى العاصي بعين الرحمة دون الإزراء, ويجتهد في إزالة المعاصي وإزاحتها على أحسن ما يستطيعه من الطرق, ويسعى في سد خلة المحتاجين بقدر وسعه وطاقته.

<<  <  ج: ص:  >  >>