والعلة فيه: تفويت الربح وتضييق الرزق على الناس, فعلى هذا لو كان المتاع كاسدا في البلد إما لكثرته أو لندور الحاجة إليه, لم يحرم ذلك, لفقد المعنى, فإن الحكم المنصوص كما يعم بعموم العلة يخص بخصوصها.
وعن " التصرية ": وهي أن يشد أخلاف اللبون ويترك حلابها أياما ليجتمع البن في ضرعها, فيتخيل المشتري غزارة لبنه من قولهم: صريت الماء في الحوض إذا جمعته وحبسته, وأصل الصري: الجمع, أو ثبت بها الخيار للمشتري إذا اطلع عليها بقوله " فهو بخير النظرين ".
وقال أبو حنيفة: لا خيار له بسبب التصرية, ولا الرد بعيب آخر بعد ما حلبها, والحديث حجة عليه في المسألتين, ولا يختص ثبوت الخيار بما بعد الحلب, بل لو اطلع عليها قبله كان له الرد, وإنما قيد به, لأن الغالب أنه لا يحصل العلم بها إلا بعد حلبها, وإنما أوجب رد صاع تمر معها بدلا عن الحليب الموجود في الضرع حالة العقد, وكان القياس رد عينه أو مثله, لكنه لم تعذر لاختلاط ما حدث بعد البيع في ملك المشتري بالموجود حال العقد وإفضائه إلى الجهل بقدره, هين الشارع له بدلا يناسبه قطعا للخصومة, ودفعا للتنازع في قدر الموجود عند العقد, وهذا الخيار كسائر خيار النقيصة على الفور عند الأكثر.
وما روي أنه قال:" من اشترى شاة مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام, فإن ردها معها صاعا من طعام لا سمراء ".